اغلق القائمة

الأربعاء 2024-05-08

القاهره 11:57 م

فنجان قهوة مع جلال عامر

الثلاثاء، 14 فبراير 2012 08:04 ص

كنا جميعا – كمعارضين للطاغية المخلوع مبارك – نتساءل: لماذا يا رب لا تقبض روح هذا الطاغية وتخلصنا وتخلص مصر منه، بدلا من أفاضل الناس الذين يرحلون واحدا تلو آخر؟
تساءلنا عشرات المرات عن حكمة هذا العمر الطويل للطاغية مع كل رجل محترم يرحل عن دنيانا، وجاءنا الجواب بعد ذلك فى شكل ثورة عظيمة !
حين رحل المناضل الدكتور محمد السيد سعيد فى أواخر عام 2009، كتبت قصيدة «رثاء محمد»، وقلت فيها:
تَعَوَّدْتُ مَعْ كُلِّ مَوْتٍ – كَمَا تَعْلَمُونَ – أُسَائِلُ نَفْسِى
عَنِ السِّرِّ فى قِصَرِ العُمْرِ لابْنِ الحَلالِ
وطُولِ التَّمَدُّدِ لابْنِ الحَرَامْ...!
وقلت فى نفس القصيدة أيضا:
لماذَا يَمُوتُ بِمِصْرَ الذينَ نُريدُ لَهُمْ أَنْ يَعِيشُوا
ويَبْقَى اللِّئَامْ...؟
وكنت قبل ذلك قد قلت فى قصيدة أخرى رثيت فيها أستاذى الدكتور عبدالوهاب المسيرى رحمه الله:
هُوَ الحُزْنُ مَكْتُوبٌ عَلَى مِصْرَ دَائِمًا
ونَحْنُ بـِهِ أوْعَى... ونَحْنُ بـِهِ أدْرَى
فَواللهِ... لَوْلا اللهُ يَعْصِمُ زَلَّتِى
لَقُلْتُ لِعِزْرَائِيلَ أنْ يَمِّمِ القَصْرا!
وواللهِ لَوْلا الصَّبْرُ عِنْدَ مُصِيبَتى
لَكُنْتُ كَمَا الخَنْسَاءِ حِينَ رَثـَتْ صَخْرا!
سيتغير طعم فنجان قهوة الصباح!
سأضع مزيدا من السكر على هذا البن العنيد الذى ما زال مصمما على توصيل ملوحة الدمع مع كل رشفة من الفنجان.
ملوحة الجريدة كل صباح فريضة على أمثالى، فقراءة الجريدة إما إدمان، وإما عمل، ولكن قراءة عمود جلال عامر سنة راتبة يؤديها القارئ راغبا لا راهبا، يؤديها وهو يخفف عن نفسه ملوحة الجريدة، وقسوة الحياة، ثم يستغرب من هذا الكاتب الذى يكتب كأنه راقصة باليه تؤدى أصعب الحركات بمنتهى الخفة، حتى توحى للمشاهد أن ما تفعله أمرا بسيطا يستطيع أى شخص أن يفعله، فإذا حاول المشاهد أن يجرب عرف الحقيقة.
أنا راض بقضاء الله، وراض بطعم القهوة فى حلقى، ولكن سأشتاق لسكر جلال عامر.
ورغم رضاى بقضاء الله ما زلت أتساءل «تحت مظلة الإيمان والرضى»:
لماذَا يَمُوتُ بِمِصْرَ الذينَ نُريدُ لَهُمْ أَنْ يَعِيشُوا
ويَبْقَى اللِّئَامْ...؟
رحم الله جلال عامر، كان كاتبا عميق المعانى، خفيف الظل، لدرجة أن حياتنا الثقيلة لم تحتمله أكثر من ذلك...!