اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 10:58 ص

دعوة للرئيس وأتباعه: شاهد «ساعة ونصف»

الجمعة، 19 أكتوبر 2012 12:05 م

جون كيتس هو واحد من أهم شعراء الرومانسية فى القرن التاسع عشر، ورغم أن سنوات عمره التى عاشها لم تتعد السادسة والعشرين، فإنه استطاع أن يترك للبشرية كثيرا من القصائد التى تحوى مسحة من الفلسفة الواقعية الممزوجة بالحزن الرومانسى، ومن أشهر أبيات الشعر التى كتبها «نحن ننظر فيما مضى وفيما هو آت.. ويسقمنا الحنين إلى ما لا يوجد.. أصدق ضحكاتنا تشوبها لمسة من ألم.. وأعذب أغنياتنا تحكى أكثر الأفكار حزناً».

ظلت تلك الأبيات تتردد على عقلى وأنا أشاهد فيلم «ساعة ونصف» لمدة ساعة ونصف الساعة، وحتى بعد ساعات من عرضه، الفيلم الذى كتبه أحمد عبدالله، وأخرجه وائل إحسان، وقام ببطولته كريمة مختار، ورجاء الجداوى، وهالة فاخر، وأحلام الجريتلى، وأحمد بدير، ومحمود الجندى، وسوسن بدر من جيل الكبار، وأياد نصار، ومحمد إمام، وأحمد السعدنى، وآيتن عامر، وأحمد الفيشاوى، وماجد الكدوانى، وسمية الخشاب، وأحمد فلوكس، وناهد السباعى، وفتحى عبدالوهاب، وعمر مصطفى، ويسرا اللوزى، وكريم عبدالعزيز، ومحمد رمضان، وأحمد عزمى من جيل الشباب، وصاحبت أحداثه موسيقى ياسر عبدالرحمن، وصوره مدير التصوير سامح سليم.

يحكى الفيلم عن رحلة قطار لمدة ساعة ونصف الساعة تنتهى بانقلاب القطار وموت ركابه، ولكننا خلال هذه الرحلة القصيرة نستطيع أن نتعرف على حياة أهل القطار الذين يمثلون الشريحة الكبرى من المصريين، خريج الجامعة النابه العاطل الذى يبيع كتبا حقيرة للركاب، وينسى أحلامه، والبنات التى تنتظر قطار الزواج ولا يأتى، والأخريات اللاتى يتزوجن ويطحنهن الفقر والعوز من أجل تعليم الأبناء، والأب الذى يحلم بتزويج ابنته ولكن مرتب الـ 400 جنيه لا يكفى لتجهيزها كما يريد العريس، والأخ الذى يسير بصورة لأخته باحثاً عن عريس ربما يأتى صدفة، والأم التى تضطر ظروف ابنها لأن يتركها على أبواب المحطة، ويهرب منها لفقره، ولعل أحد يستطيع أن يكون أرحم عليها من ظروفه، والشباب الذى تخصص فى سرقة فلنكات القطار كوسيلة عيش، ورغم أنهم لصوص فإنهم ليسوا قتلة، والمرأة التى مات زوجها وتنتظر المعاش وصندوق الزمالة لتستطيع أن تشترى حذاء جديدا وتعيد طلاء منزلها، والشباب الذى سافر إلى ليبيا حالماً بأن يعود بالأموال ليزوج أخواته ويعيد لأبيه أرضا باعها لسماسرة السفر ولكنه يعود مريضاً مهموماً وبلا مال، فيموت حتى قبل أن يأتيه الموت على قضبان القطار.. عشرات من نماذج من بشر هذا البلد استطاع سيناريو أحمد عبدالله أن ينقش حكاياتهم بمهارة، ويضفر مصيرهم معاً ليجتمعوا فى مكان واحد ولحظة واحدة، وفى النهاية مصير واحد، ورغم ذكاء وبكارة السيناريو فإن المخرج وائل إحسان قد أجاد، بل تفوق على السيناريو حين حوله إلى شريط ينطق بصوت أبطاله الذين اختارهم، وموسيقى ياسر عبدالرحمن، وكاميرا سامح سليم، وائل إحسان مخرجاً فى هذا الفيلم، مكتمل العناصر يرد على كل من اتهمه يوم أن قدم أول أفلامه «اللمبى» بأنه ليس مخرجاً أو أنه أساء للسينما، فها هو يرد بفيلم «ساعة ونصف» ليقول لهم بالفُم المليان أنا مخرج ونصف، فالبدايات أحياناً تضطر البعض لأن يتنازلوا، ولكن حين تقوى الأقدام فى الدرب تفرز المبدعين دون سواهم، ووائل إحسان أحد هؤلاء، وكنت أتمنى لو اتسع الظرف والمكان لأن أحكى لكم كيف أن إحسان كان يسير فى شوارع القاهرة مقهوراً شبه باكٍ بعد أول أفلامه الذى لم يُمنح فيه الفرصة كاملة، ولكنها سنوات ومرت فدعونا نهنئه بالحسنى، ولا نذكره بالأحزان كما فعل هو بنا نحن المشاهدين لفيلمه.

كل شخصيات الفيلم وممثليه أبطال رغم أن أكبر دور فيه لا يتعدى مشاهده الخمسة مشاهد، كلهم دون استثناء بدوا أبطالا كبارا سواء كانوا كذلك أو كانوا شبابا فى بداياتهم، وعل ممثلينا بكل أعمارهم أن يدركوا من خلال هذا الفيلم أن القيمة ليست بالشبر، ولكن بالوزن العام للفيلم.
وعود على بدء لنتذكر كيتس الشاعر الإنجليزى الذى لو شاهد هذا الفيلم لربما قال «وأعذب أفلامنا تحكى أكثر الأفكار حزناً».

قد تضيف رصيدا من الأحزان إلى أحزانك لو شاهدت هذا الفيلم، ولكنه سيكون حزناً نبيلا ما أحوجنا إليه الآن كمصريين لنتكاتف، ولو كان حكامنا يدركون قيمة ومعنى وعمق الإبداع لوقفوا صفاً يسبقهم الرئيس لمشاهدة هذا الفيلم يوم الجمعة صباحاً بدلاً من أن يتجهوا للتحرير أو لأماكن أخرى لعلهم يتعلمون!