اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-05-07

القاهره 02:25 ص

أخلاق الضيوف

الأربعاء، 04 يناير 2012 08:12 ص

يعرف الضيف أنه حمل زائد على صاحب البيت، يأكل ما يقدمه المضيف دون إبداء ملاحظات على نوعية الأكل وطريقه عمله، سيتناول ما يوضع أمامه، واضعاً فى حسبانه أنه سيشكر المقدم الطعام على كرمه أياً ما كان الذى سيأكله، لو كان الملح زائداً فى الطعام تردد كثيراً قبل أن يفصح عن ذلك، ولو كان ناقصاً بحث بعينيه عن «الملاحة» قبل أن يتجرأ ويطلب، وإن طلب سيغلف طلبه بديباجة مهذبة لا تنال من جودة الطعام ولا كرم المضيف، وفى الغالب سيلحق العيب بنفسه كى لا يجرح أحداً، فيقول: معلش أصل أنا بحب الملح كتير.. مفيش ملاحة؟

لا حق للضيف أن يقيم أفعال المضيف، لأنه فى بيته، إن رآه مرتدياً زياً غير مناسب قال فى نفسه: «وماله ماهو فى بيته»، وإن رآه يضرب ابنه بقسوة ووحشة سيصمت حتماً، وإن تدخل فسيحاول تهدئة الأمور، ويا سلام لو طالت فترة إقامة الضيف، فسيتعمق فى داخله ذلك الإحساس بالغربة، وسيقنع حتماً بما يقدمه المضيف من ملابس له لينام بها، حتى وإن كانت واسعة وبدا مثل «فطوطة» فسيتخذها مادة الضحك، وسيكتشف أن اللبس الواسع «حلو وبيدفى» والشكر موصول دائماً للمضيف، ويكون الشكر مضاعفا لو كانت الضيافة آتية بعد مأزق لا يجد الواحد فيه مأوى ليبيت فيه، لذلك فكل ما يفعله المضيف مغفور له، فهو على الأقل لم يؤذ ضيفه، وحتى إن آذاه فذلك أهون من المرمطة فى الشوارع والتعرض للمصائب.

فى الجانب الآخر، ترى هناك أنواعاً أخرى من الضيوف، حسادين كيادين طويلى اللسان، ولا مانع من أن يكونوا طويلى اليد أيضاً، يتعاملون مع بيت المضيف باعتباره نهيبة، يفتحون ثلاجته لينهلوا منها بليل، ويتلصصون على حرماته، ولا مانع لديهم من اختلاس مدخراته، تراهم يضعون أعينهم دائماً على ما خف وزنه وغلا ثمنه، فالبيت ليس بيتهم، وليس هناك ما يمنعهم من تخريبه وسرقته وانتهاكه سوى الضمير الذى اختفى فى ظروف غامضة.

بين هذين النوعين من «الضيوف» يقف أبناء الشعب المصرى، الأغلبية تنتمى إلى النوع الأول، صاحب الأخلاق الرقيقة، الراضى بالكفاف، المقتنع بفضيلة الشكر والعرفان، والأقلية الشاذة تنتمى للنوع الثانى، النهاب المختلس، ناكر الفضل، وسيمضى وقت طويل حتى يقتنع من كانوا يؤلهون حكامهم ويعتبرون أنفسهم عبئاً على رئيسهم، أنهم أصحاب البيت الأصليون، وأنهم إن حلموا بعيش كريم فهم لا يطلبون إلا «حقهم»، وإن اختلسوا شيئاً من أصول البيت فهم يخربون بيوتهم بأيديهم، وإن التعامل بعقلية الضيف تعطى للطغاة مبرراً وشرعية فى مزيد من الاستبداد.