اغلق القائمة

الأحد 2024-04-28

القاهره 08:10 ص

صك الوطنية

الثلاثاء، 06 سبتمبر 2011 04:22 م

قال صديق عزيز وصوته يشع خوفا وقلقا على شخصى ومستقبلى وسمعتى.. نصحنى بإخلاص أن أنشر مقالاتى السابقة والتى بدأت فى كتابتها منذ عشر سنوات تقريبا، والتى كنت أهاجم وأعارض فيها النظام والمسؤولين فى «العهد البائد».. وقال متأثرا: حتى يعلم من لا يعلم أنك «لست من الفلول»!!.. قلت: وهل وصل بنا الحال إلى هذه الدرجة من تبادل الاتهامات والتخوين والتصنيف؟ هل استولى البعض على حق نزع صفة «الوطنية» من الآخرين الذين يشاركونهم الأرض والشارع والسكن والمعاناة والفرح والحزن والأيام؟ وهل يصل بى الخوف والارتعاش والضعف إلى الدرجة التى أستجدى فيها من أصحاب التوكيل «صك الوطنية»؟! وهل هذا الخوف وهذا الاستجداء وهذه الصكوك الممنوحة والممنوعة فى صالح الثورة والثوار المطالبين بالعدل والحرية والديمقراطية؟ تذكرت فورا ما حدث بعد يوليو 1952 عندما تهافت الجميع على إرسال برقيات التهنئة والتأييد لحركة الجيش المباركة وأصحابها، وتذكرت أيضا أن من امتنع أيامها عن التأييد وإعلان الولاء وضع اسمه فى قائمة إلى حين.. وكأن التهافت والهرولة فى أغلبه خوف واتقاء للشرور بعد أن كانت هذه التصنفيات قد بدأت وانتشرت وتوغلت.. «رجعيين».. «عملاء».. «أعوان الرأسمالية المستغلة».. «فلول النظام الملكى».. «ثورة مضادة».. «معاداة الثورة».. إلى آخره.. إلى آخره.. تذكرت كل هذا وحزنت.. ثم جاءنى الحل فى الأحلام.. حل مذهل مالوش حل.. هو بسيط جدا.. نشكل حكومة ثانية بجوار الحكومة الأولانية ويكون كل أفرادها من الثوريين سواء ثوار الميادين أو ثوار الجرانين، وتتولى هذه الحكومة تصنيف الشعب.. حد هايقول لى إزاى؟ بسيطة جدا بواسطة البحث داخل قلب وعقل ونفس المواطن فى جلسات تحليل نفسى وقياس «عصبى ذهنى» و«تقييم انفعالى» ثم تحليل دم وعمل عينة «دي.. إن.. إيه» لاكتشاف الكروموزوم أو أحد الجينات المرصوصة عليه لتأكيد وجود «جين العنصر الفللى» من عدمه، ثم التأكيد على هذا التحليل بأشعة مقطعية ورنين مغناطيسى لاكتشاف وجود أى خلايا متناهية الدقة سارحة هنا ولا هنا وضبطها وتصويرها وتشخيص نوعها، وهل هى خلايا «فيليان» أى لها علاقة «بالفلولى أو «الفاللين» أم لا.. وهل هى فى حالة نشاط «فلولى» أم خلايا كامنة أو خاملة، ولابد أن يحتوى التقرير على عدد الخلايا وأماكن اكتشافها حتى تتم المقارنة عند إعادة الفحص كل ثلاثة شهور.. ولابد أن تنشر تقارير تشخيص «الفلولية» للمواطنين فى الجريدة الرسمية، ولابد أيضا من عمل بحث عائلى للتأكد من أن المواطن لا ينتمى حاليا ولم يسبق له الانتماء فى أى مرحلة من حياته من يوم أمه ما ولدته بأى شخص «فلولى»، أو أن يكون قد مر بتجربة «فللان» سابقة.. وبعد الانتهاء من استيفاء كل هذه البنود يسرع المواطن وهو يسمك التقرير بإيده اليمين وست صور بإيده الشمال إلى «إدارة وثائق التصنيف والفرز الوطنى الثورى المصرى» بالقلعة، ويقدم أوراقه وبعد شهر يرجع ويقف فى الطابور ويتسلم كارنية كتب عليه «وطنى» ومختوما بختم المعمل الصحى الإشعاعى والجنائى والنفسى والعصبى، ثم ختم النسر.
كده بقى المواطن فى السليم.. وأى حد يتهمه «بالفللان» أو «الإفلال» أو «الفليان» يطلع له الكارنيه ويحطه فى عينه، ولو فاضى يرفع قضية ويتهمه «بالازدراء الوطنى»، ودى فيها إعدام، ولو مش فاضى يطعنه خمسا وأربعين طعنة على غفلة ويلف بيه الحى يفرج عليه خلقه.
وسنكون أول دولة يحمل مواطنوها بطاقتين «بطاقة إثبات شخصية» و«بطاقة نفى فلول»، وسوف تقلدنا دول عديدة سواء فى الشرق الأوسط أو فى دول «حلف الناتو» اللى زمانهم دلوقتى حاطين ليبيا على السفرة وبيقطعوها ترنشات.
كان نفسى أكتب اليوم عن دعوة عامة إلى «هدنة» يمتنع فيها نصف الشعب المصرى عن التشكيك والتخوين واتهام وكراهية نصفه الثانى.. وأن نمتنع جميعا عن الادعاء بالاستحواذ الوطنى وإنكار حق الآخرين.. نمتنع عن مصادرة الوطنية لصالح «فئة»، وحرمان الباقى من شرفها واتهامه بازدراء الثورة والثوار.. نتوقف عن السباب والشتائم وادعاء الثورية والشرف والنزاهة، نتوقف عن اعتبار النقد تجريحا والرأى المخالف خطيئة وبجاحة وتطاولا.. نوقف محاكم التفتيش والبحث داخل خبايا النفس والشعور عن تهمة التحالف مع الشيطان والكفر بالثورة.. نحاول أن نفرق بين الخلاف فى الرأى وبين الاختلاف الإنسانى والعداء الشخصى.. كان نفسى أكتب أن الانزلاق إلى هذه المعركة سيجعلنا جميعا من الخاسرين.. لكن للأسف لا أحد يقرأ ولا أحد يريد أن ينصت..