اغلق القائمة

الجمعة 2024-05-03

القاهره 11:25 ص

حملة شعبية ضد الجهل

الثلاثاء، 28 يونيو 2011 03:36 م

حينما قرأت خبرًا يقول إن د. عماد أبو غازي، وزير الثقافة، المثقف، تقدم بطلب إلى رئيس الوزراء للتدخل من أجل إنقاذ مشروع مكتبة الأسرة من الانهيار، وبمناسبة حملة «اقرأ» التى أطلقتها مكتبة (أ)، تذكرتُ واقعةً حدثت قبل عام، نسيتها بسبب تواتر الأحداث العجائبية على مصر. جاءتنى مجموعة من الشباب المصرى الجميل، وأخبرونى باعتزامهم إطلاق حملة شعبية ضد الجهل، تعمل على تثقيف الشعب المصرى، وإعادة توثيق علاقته الغابرة بالكتاب. تلك العلاقة التى كانت حميمةً ووثيقة منذ أقدم العصور، ثم راحت تخفُت بالتدريج مع السبعينيات الحزينة، التى شهدت الانفتاح وهجرة العقول المصرية النابهة. ولو تذكّرنا حقيقةً تقول إن المصريَّ هو أول من اخترع ورقَ الكتابة، البردى، وأول من دوّن أفكاره على جدران المعابد، وأن أطول مدونّة ملحمية فى التاريخ، طولها يقارب 6000 متر، محفورةٌ على جدار معبد آمون المصرىّ ، إذا ما تذكرنا كل هذا نشعر بالخجل، نحن أبناء الزمن الراهن، إذ سمحنا بأن نصل إلى هذه الحال من الإفلاس «القرائى» والمعرفى الراهن.

الحملة عنوانها «اقرأ». ربما بوصفها أول كلمة فى القرآن، وبوصفها المنهج الذى اختاره لنا اللهُ لنسير عليه، والمنهج الذى يجب أن نحارب جميعًا من أجل ترسيخه، هذا لو أردنا لمجتمعنا أن ينجو من كبوته. كان من المفترض أن أدعم هؤلاء الشباب، معنويّا وإعلاميّا، فى حملتهم النبيلة، وبالفعل تحمستُ للغاية، وكدتُ أبدأ مشوارى معهم. لكن الأحداث التى نزلت بمصر على مدى الشهور الماضية، جعلتنى أُرجئ الأمرَ، حتى كدتُ أنساه! وأعتذر عن ذلك، وها أنا ذا أجدد بيعتى معهم، وأنتظر أن يتصلوا بى لكى نبتعث الحملةَ من رمادها، إن كانت قد غَفَت، أو نؤججها إن كانت لا تزال جذوةً وليدة.

لا سبيل للخروج بمصر من ظلامها الراهن إلا بإعادة الاحترام للكتاب. والكتاب، هو السلعةُ الوحيدة التى حيّرت ميزان التعيير القِيمىّ. فكلُّ سلعة يستخدمها الإنسانُ لابد تتفاوتُ ما بين الرخيص والغالى، مرورًا بمئات الدرجات على سُلَّم الرِّخَص والغَلاء. إلا الكتاب! فإنه إما غالٍ جدّا لا يُقدَّرُ بثمن، أو رخيص جدّا، بلا ثمن على الإطلاق. أقصد معنويّا. فعند مُحِبِّ القراءة تعلو قيمةُ الكتاب، حتى ليفرّطَ فى كلّ شىء إلاه. بينما عند مَن لا يقرأ لا تكون للكتاب أيةُ قيمة.

وتتباين قيمةُ الكتاب، علوّا وتدنيًا، على المستوى الأفقى، الجغرافيا، وعلى المستوى الرأسىّ، التاريخ. فلدى الشعوب المتحضرة تعلو قيمةُ الكتاب، والعكس لدى الأمم المنحدرة فكريّا. كذلك ثمة لحظاتٌ تنويرية لدى كل شعب تعلو فيها قيمة الكتاب، فى مقابل لحظات مظلمة، مثل تلك التى نعيشها فى عصرنا الحالى، فى المجتمعات العربية السعيدة بخَدَرِها المستطيل. جرَّبْ أن تنسى حقيبة «بلاستيك»، ممتلئة بالكتب، فى مطعم، وعُدْ بعد أسبوع، فسوف تجدُها فى مكانها من غير سوء، لم تمسسها يد! فيما لو نسيتَ نظارتك أو علبة سجائرك على طاولة فقد لا تجدها لو استدرت برهةً!

قرأتُ على شبكة فوكس نيوز الأمريكية الإخبارية مؤخرًا خبرًا طريفًا يقول إن جورج واشنطن، أول رؤساء أمريكا، مَدين لمكتبة «نيويورك سوسايتى» New York Society، أقدم مكتبة فى منهاتن بنيويورك، بملغ قدره 300 ألف دولار! أما السبب فلأنه استعار كتابين فى يوم 5 أكتوبر عام 1789 ولم يُعِدهما للمكتبة! وأما هذا الرقم الضخم فيتأتى من حاصل جمع ثمن الكتابين مضافًا إليه قيمة الفوائد المستحقة عليه منذ ذلك التاريخ، باعتبار معدلات التضخّم، حسب تقرير البنك المركزى، وكذا رسوم التأخير حسب لائحة المكتبة، التى كانت الوحيدة فى مدينة مانهاتن بنيويورك فى هذا الزمن. وحرص واشنطن على التوقيع باسم: «الرئيس»، على استمارة الاستعارة، وليس باسمه الشخصى. وطرافة الخبر تكمن فى أن الرؤساء يذهبون، مثلنا، إلى المكتبات بأنفسهم، ولا يرسلون مندوبيهم؛ ثم إنهم يستعيرون، مثلنا، الكتب من المكتبات؛ كما أنهم، مثلنا أيضًا، يطمعون فى استبقائها فى مكتباتهم الخاصة، فيراوغون فى إعادتها، ثم هم، مثلنا كذلك، تتراكم عليهم رسومُ تأخير وفوائدُ، ويُطالَبون بتسديدها، ولو من الورثة. أما الكتابان فكان أولهما: «قانون الأمم»، والثانى عبارة عن مجلد يحوى ملخص المناقشات التى جرت داخل مجلس العموم البريطانى. اقرأوا تصحّوا.