اغلق القائمة

الأحد 2024-04-28

القاهره 02:56 م

عابدين.. التحفة المعمارية التى يقتلها الإهمال

30 قصراً رئاسياً فى القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية وأسوان والقناطر تسكنها الخفافيش

دندراوى الهوارى الجمعة، 20 مايو 2011 12:46 ص

◄◄ وزارة الزراعة وضعت خطة لمقاومة الزواحف فى قصر عابدين.. ومبارك أقام فى قصر العروبة فقط.. والسؤال.. لماذا لا يتم تحويلها إلى مزارات سياحية؟

القصور الرئاسية فى مصر.. تاريخ من الأسرار والغموض فى مصر، هى تابعة لرئاسة الجمهورية، كما كانت تتبع الحكم الملكى قبل ثورة يوليو 1952، ونظرا لهذه التبعية تظل لها مهابة خاصة لدى الرأى العام الذى دائما ما يطرح سؤالا: لماذا تبقى هذه القصور بعيدة عن أعين الشعب؟ لماذا لا يشاهدها الناس كمزارات سياحية؟

السؤال مطروح بعد ثورة 25 يناير، وللتذكير فقد تم طرحه بعد ثورة يوليو عام 1952، وتم فتح بعض هذه القصور أمام الجمهور، فهل يمكن فتحها الآن؟ السؤال يمتد على 30 قصرا واستراحة تابعة لرئاسة الجمهورية، ومن أبرزها قصور عابدين، والعروبة، وحدائق القبة، والطاهرة، بالقاهرة، ورأس التين، بالإسكندرية، و3 قصور واستراحات بالإسماعيلية، واستراحات بالقناطر الخيرية، وأخرى فى أسوان.

هذا الكم الهائل من القصور التى لا تقدر بثمن، فيه إهدار صارخ للمال العام، فالرئيس السابق أقام فى قصر واحد هو قصر العروبة بمصر الجديدة، وترك الباقى تقطنه الخفافيش والفئران، وبدلا من أن تتخذ رئاسة الجمهورية فى العهد البائد، قرارا باستغلال هذه القصور، الاستغلال الأمثل الذى من شأنه المساهمة بقوة فى دفع عجلة التنمية، أوعزت لأجهزة المكافحة التابعة لوزارة الزراعة والمتمثلة فى معهد وقاية النباتات بمركز البحوث الزراعية، بتبنى خطة مكافحة الزواحف، خاصة فى قصر عابدين، درة القصور المصرية، والذى كان مقرا للحكم طوال 80 عاما كاملة، منذ عام 1872 حتى عام 1952.

هذه الثروة القومية الكبرى حان الوقت لاستغلالها الاستغلال الأمثل، وقطف ثمار تنميتها الشاملة، بعد ثورة الشعب، وكان الكاتب الكبير مصطفى أمين قد كتب مقالا رائعا عام 1982 اقترح فيه بيع أحد القصور الرئاسية المنتشرة فى ربوع مصر، وذلك لسداد ديون مصر حينها، وإذا كان هناك رفض لمبدأ البيع، فيمكن تحويل هذه القصور إلى مزارات سياحية ذات طابع خاص، وتفتح أبوابها للأجانب، والمصريين، أو تحويلها لمنتجعات فندقية مهمة بقلب القاهرة، على أن تخضع لوزارة السياحة، خاصة إذا علمنا أن، المحللين الاقتصاديين، قدروا سعر قصر عابدين فى حالة طرحه للبيع فى منتصف الثمانينيات، بـ120 مليون جنيه، نظرا لمساحته الشاسعة وموقعه الاستراتيجى.

والسؤال إذا كانت قيمة قصر عابدين فى الثمانينيات، 120 مليون جنيه، فإن الرقم سيقفز إلى خانة المليارات، حاليا، نظرا لقيمة هذا القصر التاريخية والأثرية، ومن ثم فإن الأمر يكشف بجلاء القيمة الحقيقية لهذه القصور، كرقم فاعل وقوى فى المعادلة الاقتصادية، يمكن لها أن تنتشل الاقتصاد المصرى من غرفة الإنعاش، إلى حالة النقاهة العامة، تمهيدا للعودة إلى الحياة الطبيعية.

وبعيدا عن درة القصور المصرية، فإن قصر العروبة، مقر رئاسة الجمهورية فى عهد النظام السابق، يعد رمزا للإسراف، فقد صمم القصر المعمارى البلجيكى أرنست جاسبار، ويضم 400 غرفة، بجانب 55 شقة خاصة، وقاعات بالغة الضخامة، وأشرف على بناء القصر شركتان للإنشاءات كانتا الأكبر فى مصر فى ذلك الوقت، وهما شركة «ليو رولين وشركاه» وشركة «بادوفا دينتامارو وفيرو»، فيما قامت شركة «ميسس سيمنز آند شوبيرت» فى برلين بمد الوصلات الكهربائية والتجهيزات.

وفى الثمانينيات من القرن الماضى وضعت الحكومة خطة صيانة شاملة للقصر حافظت على رموزه القديمة، وتم تحويله مقرا لرئاسة الجمهورية فى عهد «مبارك»، ولم يكن «مبارك» يقيم فى القصر إلا فى أوقات العمل الرسمية، ولم يكن يستقبل فيه الرؤساء والملوك إلا فى الزيارات الرسمية فقط، فى حين أن معظم استقبالات مبارك للرؤساء الأجانب فى الأعوام الأخيرة لحكمه كانت تتم فى شرم الشيخ.

القصور المماثلة فى بريطانيا، تدر الملايين، نتيجة فتح أبوابها للزائرين، تُمكن الحكومات هناك من الصرف على هذه القصور، بجانب ما تدفع به إلى خزانة العامة للدولة، بينما فى مصر، توسعت مؤسسة الرئاسة، فى العهود المختلفة، فى السيطرة على القصور والاستراحات، بدءا من عهد الرئيس جمال عبدالناصر، حتى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، فى عملية اقتناص واضحة، الأمر الذى حول هذه القصور إلى «مقار» ينعق فيها البوم «وملجأ للخفافيش، والفئران، والغربان»، ومع مرور السنين، فقدت وظيفتها الحقيقية، وأصبحت سمة من سمات العهد المباركى، وهى احتكار القصور، إما لشخص الرئيس أو لمؤسسة الرئاسة، وتحول الصرف على بعضها نوعا من أنواع إهدار المال العام، فقصر عابدين، لم تستخدمه مؤسسة الرئاسة إلا مرات معدودة تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، ولو أن هذا القصر فى بلد آخر مثل بريطانيا لتم ضمه فورا إلى قائمة القصور الملكية الهامة، لتفتح أبوابها لزيارات الجمهور وتدر دخلا كبيرا.

نفس الأمر ينطبق على القصور فى الإسكندرية، والإسماعيلية، والأخيرة تضم 3 قصور فخمة، اثنان منها يطلان على القناة مباشرة، ولم يقم الرئيس السابق بزيارتهما إلا مرة أو اثنتين على أكثر تقدير، أما الإسكندرية فتضم عددا من القصور منها قصر «رأس التين» الذى يعود إلى عصر محمد على، وتم تجديده على عدة مراحل، كان آخرها فى عهد الملك فاروق، وهو قصر رئاسى ذا طابع خاص، كما يوجد أيضا قصر «الصفا» الذى يعد استراحة رئاسية على كورنيش الإسكندرية بمنطقة المعمورة.، بجانب عدد من الفيلات والاستراحات المغلقة، ولا تستخدم، حيث فضل الرئيس السابق استخدام استراحة برج العرب.

والغريب، أن قصور الرئاسة والاستراحات ظلت بعيدة تماما عن عيون المساءلة، سواء من الجهاز الرقابى المهم وهو البرلمان، أو حتى من الأجهزة الرقابية التابعة، ومن بينها الجهاز المركزى للمحاسبات، وظلت هذه الثروات المهدرة بعيدا عن اهتمامات وعقول كل المتابعين، إما للخوف من إثارة هذا الملف المحظور الاقتراب منه، أو لعدم إدراجه ضمن أولويات القوى السياسية.

التغيير الشامل الذى أحدثته ثورة الشعب فى 25 يناير، يدفعنا إلى المطالبة بفتح ملفات القصور الرئاسية الفخمة، وما تمثله من ثروات قومية نادرة، لابد أن تعود إلى حضن الشعب، وليس لشخص الرئيس وأسرته كنوع من الاحتكار الفاضح، وهنا يأتى دور الأجهزة المعنية، ومنها وزارة الآثار وعلى رأسها وزيرها الدكتور زاهى حواس الواجب عليه أن يتحرك فى اتجاه هذا الملف، وإذا كان المطلوب تشريع قانون جديد لتحويل هذه القصور إلى مزارات سياحية، فيجب على القوى السياسية التى ستدخل البرلمان القادم أن تعد العدة لذلك.