اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-05-07

القاهره 02:18 م

لا تخافوا من الديمقراطية

الأحد، 04 ديسمبر 2011 03:42 م

مع انتهاء الجولة الأولى من أولى المراحل الانتخابية وإعلان نتائجها التى أظهرت تقدما ملحوظا للتيارات الإسلامية والأحزاب ذات المرجعية الدينية تعالت بعض الأصوات التى ترفع شعارات التخويف والفزاعات من وصول الإسلاميين إلى الحكم، ووصل الأمر بالبعض من انتقاد تجربة الانتخابات ككل، والغريب أن هذا التناقض يتصدره عدد من دعاة الديمقراطية والنخب السياسية التى طالما ناضلت من أجل الوصول إلى تحقيق آلية الانتخابات الحرة النزيهة.

إن الإيمان بالديمقراطية يقتضى القبول بنتائجها مهما خالفت توقعاتنا أو أمانينا، واحترام إرادة الشعب وعدم التعالى عليه وعدم وصفه بالجهل وسوء الاختيار، إن الأهم الآن فى أولى تجاربنا الديمقراطية عقب ثورة يناير المجيدة أن نتم عملية الانتخابات بنزاهة وشفافية، وأن نرسخ لآلياتها التى سنستطيع بإتمامها تغيير أى شخص وأى حزب أو اتجاه فكرى فى الانتخابات التالية.

لا يمكن أن تكون الديمقراطية انتقائية تقبل هذا وتقصى ذاك، إن روعة الديمقراطية أن تحترم اختيارات الناس مهما كانت، وعلينا أن ندرك أن المسؤولية التى تقع على من يفوز بالأغلبية فى أى نظام سياسى هى أصعب بكثير ممن يكون فى موقع الأقلية، هناك مسؤوليات أخلاقية وسياسية وشعبية تقع على كل الفائزين، خاصة من استطاعوا الوصول إلى حالة الأغلبية.

احترام رأى الأقلية وعدم إقصائها هو من صميم الممارسة الديمقراطية وتنفيذ البرامج والوعود التى قدمت إلى الناخبين هو محك اختبار سيحكم به الناخبون على من انتخبوهم وسينتظرون تحقق ما كان سببا فى تفضيلهم لهؤلاء المرشحين على غيرهم.

من السهل أن تطلق الوعود فى أى انتخابات وتثير بها عواطف الجمهور وأحلامه، ولكن لا تنسى الشعوب أبدا كل وعد وأمل تنتظره بعد اختياراتها لمن يعبرون عنها، إن دورة انتخابية واحدة كفيلة بإسقاط أى تيار سياسى للأبد إذا وجد الشعب أنه لا يملك مشروعا حقيقيا، وإنما مجرد شعارات خالية من مضمون حقيقى، مسار البناء أصعب بكثير من مسار الهدم، ورجال الدولة غير رجال السياسة.

تصور أى تيار أنه يستطيع أن يدير مصر منفردا فى هذه المرحلة هو محض وهم وخيال، التجريف الذى حدث لهذا الوطن على مدى عدة عقود لا يمكن لأى تيار أو حزب أن يقوم بإصلاحه وبدء مسار البناء دون أن تتكاتف معه جميع الاتجاهات.

إننا مثل الدول التى خرجت منهكة بعد حرب طويلة استنزفت مواردها وأضعفت بنيتها وجعلتها تتأخر وتتراجع عن مكانها الطبيعى وفى كل التجارب التاريخية التى شهدت مثل هذه الحالة كان حدوث التوافق والإجماع الوطنى بإرادة موحدة لكل القوى السياسية هو المخرج الوحيد لتجاوز هذه المرحلة.

حتى الآن لم يحن وقت التنافس الحزبى والأيديولوجى، فلم نصل بعد لهذه الرفاهية لأننا ما زلنا فى بداية بناء إطار سياسى للدولة يجعلها تنتقل إلى مرحلة الاستقرار اللازم لبدء عملية التنمية وتحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية.

ما زال فى الانتخابات مراحل متعددة نتمنى أن تكون أفضل من الجولة الأولى فى ناحية الممارسات الانتخابية والانتهاكات القانونية التى شهدتها المرحلة الأولى من أغلب الأحزاب والمرشحين.

وهناك دور مهم على اللجنة العليا للانتخابات والنيابة العامة فى التعامل مع هذه الخروقات والمخالفات التى تميزت بها الجولة الأولى وتم إبلاغ الجهتين بها ولكنهما لم تحركا ساكنا تجاهها مما يغرى البعض بمزيد من هذه الانتهاكات فى المراحل القادمة.

إن إعمال القانون بقوة على الجميع سيرهب كل من تسول له نفسه مخالفة القانون وإفساد الجو الإيجابى الذى شهدته عملية الانتخابات حتى الآن.

وإن كان هناك من يستحق التحية أولا فهو الشعب المصرى العظيم الذى أذهل الجميع بحضوره القوى وإقباله على المشاركة فى أول تجربة ديمقراطية عقب الثورة، وكذلك ننحنى إجلالا واحتراما وتقديرا للمرأة المصرية التى سجلت لجانها النسائية أعلى معدلات المشاركة على مستوى مصر وربما العالم، وقد شاهدت بنفسى فى دائرة مدينة نصر لجانا نسائية تجاوزت نسبة التصويت بها 90%، ورغم طول الطوابير وإجهاد الحاضرين فإن الفرحة فى عيون الناس بأول تجربة حقيقية جعلتهم يتحملون كل هذا العناء، سنكمل العملية الانتخابية وسنحرص على شفافيتها ونزاهتها فهذا هو الأهم، وسنقول لكل المصريين لا تخافوا من الديمقراطية.