اغلق القائمة

الإثنين 2024-05-06

القاهره 03:50 م

معركة الحرية

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011 03:31 م

لم يتفاعل المصريون مع انتخابات برلمانية، منذ عقود طويلة، مثلما حدث فى تلك الانتخابات التى بدأت بالأمس أولى مراحلها.

إقبال واضح منذ الساعات الأولى، فى معظم محافظات مصر، ذهب الناس - ربما لأول مرة - مستبشرين بأنهم سيختارون من يمثلهم بحرية، وأن أصواتهم لن تبدد، كما كان الحال قبل الثورة.

نعم هناك أخطاء، ومطل فى فتح اللجان، ووصول الأوراق، وزحام وعنف فى بعض لجان أسيوط، وإلغاء للجنة بالوايلى باشرت التصويت دون حضور القاضى، وغيرها من الاشتباكات، إلا أن مثل هذه الأحداث، تأتى فى إطار التجاوزات العادية، والمخالفات المعتادة فى كل انتخابات، بل أعتقد - حتى لحظة كتابة هذه السطور - أن الأمور تسير فى الاتجاه الصحيح.

أول انتخابات برلمانية خضتها فى حياتى كانت فى عام 1995، حيث فزت بمقعدى فى دائرتى باب الشعرية والموسكى.. وكان حصاد الانتخابات التى جرت يوم 5 ديسمبر 1995، 36 قتيلاً، و411 جريحاً - كنت واحداً منهم - فضلاً عن تلفيات فى 4 مبانٍ للشرطة، وأحد البنوك ومحطة سكة حديد إلخ..

دارت رحى المعركة الانتخابية صباح أمس، وسط أجواء معتمة، سبقت وعاصرت العملية الانتخابية الأولى بعد الثورة.. وكانت معظم التوقعات تنذر بعنف شديد وبحور من الدماء، وقد خيب الشعب المصرى هذه التوقعات - حتى الآن - فبدت الساعات الأولى أكثر التزاماً وانضباطاً من كل التوقعات.

صحيح أنه مبكراً جداً أن نصدر حكماً قيمياً عن العملية الانتخابية الآن، لكن كما يقال الكتاب يقرأ من عنوانه، ومازالت العناوين والإشارات الظاهرة - حتى اللحظة - تؤكد أن الناس تريد أن تصنع تجربة عظيمة وحضارية.

غالبية الشعب المصرى، لا تريد أن تيأس مع اليائسين، وترى دائماً شعاعاً باسماً من النور فى الظلام الكئيب!! ولعل هذه الانتخابات تكون هى هذا الشعاع وسط ظلام حكم العسكر، وعنف الأمن، وعناد البعض، وتشنج البعض الآخر..

أعترف أن الحال فى مصر لن يصلحه - فقط - اختيار برلمان، أو تغيير رئيس وزراء، فالمسألة تتعلق أساساً بطريقة الحكم، ومبادئ الحكم لا بأسماء الحكام والنواب..

مصر لا تريد - فقط - تبديل نخبة أو ساسة، إنما تريد تبديل سياسة!! ليس مهماً من سيفوز فى هذه الانتخابات، فالأهم أن يكون لدينا انتخابات، قد نختار خطأ أو صوابا، يبقى الأهم أن نختار.

نريد عهداً جديداً، حتى لو حكمنا خصومنا، المهم أن يكون حكماً نزيهاً دستورياً، فهذا أفضل من أن يحكمنا أصدقاؤنا حكماً فاسداً طاغياً.

أحياناً لا أخاف على الحرية من أعدائها، بقدر خوفى عليها من أصدقائها.

قطعاً الحرية ستكسب دائماً المعركة الأخيرة، حتى لو فقدت نقاطاً فى معاركها الأولى والثانية والثالثة.. فالمعارك التى تخوضها الحرية هى التى تمنحها القوة، وتكسبها الخبرة والمناعة وتعلمها الصمود والإصرار..

الحرية لن تجىء لمصر على أطباق من ذهب.. فكل شىء تحصل عليه الشعوب بسهولة، يضيع أيضاً بسهولة.. أما الأشياء الصعبة التى تبذل فيها التضحيات فهى وحدها التى تثبت أمام الزمن ويسجلها التاريخ..

ستنتصر مصر - إن شاء الله - فى معركة الحرية..