اغلق القائمة

الخميس 2024-05-23

القاهره 10:33 ص

الطريق الثالث «3»


الإثنين، 31 أكتوبر 2011 07:54 ص

إشكاليات التعريف..

الصفر الإيديلوجى، الذى تنطلق منه، باتجاه محاولة فهم وتفسير تيار «الطريق الثالث»، هو محاولة فهم وتعريف هذا التيار العالمى الوليد والموعود.

لقد تناولنا سابقاً جانباً من الإشكاليات التى تعوق الوصول لتعريف تحكمى وجامد ومحدد لفكر «الطريق الثالث»، ومن بينها حداثة الفكرة، ومحاولة تعريفها بشكل يخل بجوهرها من خلال التعريف «السلبى» –أى ليس هذا الطريق ولا ذاك– لا يساراً قديماً.. ولا يميناً جديداً!! فى محاولة لتعريف الذات بإظهار تباينها مع غيرها.

ويبدو أيضاً من بين الإشكاليات الأخرى فى التعريف، أن «الطريق الثالث» تغلبُ عليه صفته كقيمة إنسانية «وسطية» أكثر منه مصطلحاً مجرداً، أو مذهباً سياسياً جامداً. فضلاً على مساحات الخلط التى يمكن أن يقع فيها البعض بين ما هو يمينى وسطى – أو يسارى وسطى– وبين ما هو منسوب لأفكار تحمل اسم «الطريق الثالث».

وأيضاً قد يبدو من بين إشكاليات التعريف، سرعة انتشار وتنامى هذا التيار فى العديد من الدول –وتوليه الحكم فى بعضها– فى السنوات القليلة الماضية، مثل: بريطانيا، وفرنسا وألمانيا، والسويد، وإيطاليا مما دفع البعض للربط بين ممارسات وسياسات بعض هذه الحكومات –وإعلانات النوايا بالنسبة لها– وبين «الطريق الثالث»!! فى حين أن بعض هذه الشعارات أو التوجهات التى أعلنها زعماء ورؤساء أحزاب وحكومات لديهم نزعة «ثلاثية»، مثل شرودر وكلينتون وبلير وأوباما، قد تكون شعارات إعلانية أو انتخابية فى أحسن الأحوال!!

إن تطور وانتشار فكر «الطريق الثالث» فى أوروبا وأمريكا «عالمياً» لا ينفى خصوصية التركيبة والنزعة «الثلاثية» وفقاً للظروف التاريخية للنشأة والتطور الاجتماعى والسياسى والاقتصادى فى كل بلد على حدة.. وفقاً لمنظومة متباينة من العوامل التراثية والفكرية، والعقائدية، التى تختلف من مجتمع لآخر، ومن وطن لآخر.

«فالطريق الثالث» فى السويد، يأخذ توجهاً أكثر اشتراكية من ذات «الطريق الثالث» فى بريطانيا – مثلاً – فالأول أقرب ما يكون للاشتراكية الديمقراطية التى كان أحد منابعه الفكرية والتراثية فى السويد، بينما النموذج البريطانى يختلف، ويبدو نفس القدر من التباين واضحاً بين شرودر فى ألمانيا، ورفاقه الفرنسيين، رغم أنهم جميعاً يرفعون شعار «الطريق الثالث»، وهذا ما يصعب فكرة الوصول لتعريف جامع مانع يختزل فكر وسياسات الطريق الثالث فى جملة واحدة.

وأهم إشكاليات التعريف من وجهة نظرى – أن «هذا الطريق الثالث» لم تخرج أفكاره من العدم، ولم تكن وليدة حالة استقرار ورفاهية فكرية –كما حدث مثلاً فى حالة الكتاب الأخضر– بقدر ما كان استجابة لتداعى الأزمات التى فجرها فشل الطريق الأول «الاشتراكية» وعجز الطريق الثانى «الرأسمالية» فى تقديم حلول ناجحة تتعاطى مع الإجحافات الجديدة، التى أطلقتها الرأسمالية فى طورها الجديد والتى فجرت مشاكل «عبادة السوق الحرة»، والعولمة، والبطالة، والتضخم المالى والضرائبى، والأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة، وتزايد فقراء العالم فقراً وأثريائه ثراءً!!

إن ظهور أفكار «الطريق الثالث» كتلبية للأزمات السابقة، وغيرها من الأزمات المتفجرة ضاعف من صعوبة حسم قضية التعريف، الذى بدا متحركاً وبحاجة لتعديل وتطوير، كلما استدعت مواجهة المشاكل الجديدة طرح أفكار وطروحات جديدة!!

وأحسب أن الإشكاليات السابقة، وغيرها فى الوصول إلى تعريف لفظى مجرد لمفهوم «الطريق الثالث» لا يعنى بأى حال استحالة التعريف الدقيق، أو هلامية الفكرة، أو صعوبة الفصل بينها وبين غيرها من الأفكار الأخرى، بقدر ما يعنى تطور ومرونة وحداثة فكر «الطريق الثالث» بصورة تسمح لنا بتعريفه بشكل تحكمى وفى إطاره المرحلى، وفى إطار الخصوصية المكانية والتراثية والجغرافية لكل مجتمع.
«وللحديث بقية»