اغلق القائمة

الأحد 2024-04-28

القاهره 02:15 م

أبوالليف.. عنوان الديمقراطية

الجمعة، 12 مارس 2010 02:58 ص

صار أبوالليف هو المطرب الأول حاليا فى مصر، فأمام اكتساح أغنيته أنا مش خُرنج أنا كينج كونج ده وأنا رابط إيديه بألعب بينج بونج، تراجعت مبيعات أغنيات عمرو دياب وحماقى وهانى شاكر وحتى إليسا وهيفاء،صار أبوالليف هو مطرب الشباب الأول.. والله العظيم هذه ليست نكتة، ولا هو اسم حركى لمطرب، بل هذه هى الحقيقة، ولا يعنى أن أحدا يجهل من هو أبوالليف، ولم يستمع لأغنيته أن ينكر هذه الحقيقة.

وإن كان أكثر ما أكرهه هو التنظير، وادعاء القدرة على التحليل، وأن أزعم أننى وحدى أمتلك الحقيقة المطلقة للظواهر، إلا أننى مضطرة لكى أحكى لمن لا يعرف قصة أبوالليف أو كينج كونج لاعب البينج بونج، مضطرة أن أعود إلى الوراء لأحكى لكم حكاية.

كانت الإذاعة قديما هى الوسيلة الوحيدة التى يستطيع أى فنان أن يصل من خلالها إلى قلوب المستمعين، وبالتالى الجمهور، فما من نجم من نجوم الطرب أو حتى التمثيل، إلا واعتبر أن جواز سفره إلى عالم الشهرة والنجاح لا يتم إلا من خلال مروره من البوابة الذهبية، الإذاعة.. وكانت لجنة الاستماع وكبار رجال الإذاعة، هم أهم من فى حياة الفنان، فبجرة قلم منهم، يمنحونه الحياة، وبجرة أخرى يحرمونه منها.

وتطورت الحياة، واختلفت آلياتها بظهور التليفزيون فتراجعت قيمة الإذاعة أمام طوفان الصوت والصورة فى التليفزيون، فأصبح المسئولون عنه هم أصحاب السطوة والحظوة لدى الفنان، لأنه بوابتهم الذهبية للجمهور.

وقد يذكر البعض الحرب الضروس التى قامت بين عبدالحليم وفريد الأطرش حول من يفوز بنقل حفلاته فى شم النسيم وغيرها من المناسبات على الهواء فى التليفزيون، وسواء كانت الوسيلة التى يصل بها الفنان إلى جمهوره الإذاعة والتليفزيون، فقد كانت فى النهاية وسيلة مضنية له تستغرق كفاحا وجهدا مع كثير من العناصر الفنية أو الإنسانية.

ولأن بقاء الحال من المحال، فقد تغير الأمر منذ سنوات وفقد التليفزيون والإذاعة تفردهما فى الساحة، لتصبح شركات الإنتاج وتوزيع الكاسيت هى صاحبة السطوة فى فرض الذوق فى دنيا الاستماع. وليس أدل على ذلك من سطوع نجم المطرب أحمد عدوية، الذى كان ممنوعا من الغناء فى الإذاعة أو التليفزيون، ولكن أغنياته فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، كانت تنتشر كالنار فى الهشيم عبر شرائط الكاسيت، بل ربما زاد توزيعها لأنها كانت بضاعة ممنوعة من الظهور على الأثير.

وفى غمضة عين بين ليلة وضحاها، تغيرت خريطة الحياة بظهور الإنترنت، تلك التى يطلقون عليها بالعربية الفصحى الشبكة العنكبوتية، وهى تسمية واصفة دقيقة لهذا النوع من وسائل الاتصال، فلا يستطيع أحد أن يعرف لها بداية من نهاية، لأنها حلقات اتصال متداخلة، قادرة على أن تصل بين من يوجد فى قرية ليست على الخريطة، وبين أحد سكان الشارع الخامس فى مدينة نيويورك، أو وول ستريت شارع المال والأعمال.

وتراجع إنتاج الكاسيت وفقد الشريط الصغير وأصحابه سطوتهم تماما، مثلما حدث مع الإذاعة والتليفزيون، فلم يعد الثلاثة هم الطريق والبوابة الوحيدة إلى الشهرة والانتشار والتأثير.
تصدر المشهد الآن الفيس بوك واليوتيوب، وسائل اتصال تسمح لكل حالم بأن يعرض على الملايين ما يراه فى الغناء أو التمثيل أو التقليد أو الكتابة، أو حتى بيع الجسد، صارت تلك الوسائل وكأنها هايد بارك للفن، لا سلطان فيها لأحد على أحد.. مجرد كبسة زر كما يقول اللبنانيون وتكون على الهواء مباشرة، بلا رقابة على سيناريو أو كلمات أو لحن.. صار الفيس بوك واليوتيوب هما البوابة الذهبية للشهرة، ليس من المحيط إلى الخليج، ولكن من المحيط إلى المحيط.. فلا دستور ولا قوانين رقابة أو ميزان كلمة أو لجنة استماع تتحكم فى هذه الوسائل والفنون التى تُطرح فيها.

ويفقد كثير من النجوم عروشهم أمام الطوفان، ليصبح أبوالليف حاليا هو المطرب الأول فى مصر، وربما فى العالم العربى، فأغنيته تناقلها الشباب عبر الفيس بوك، وخلقت بالتأكيد لديهم حالة إعجاب جعلتهم يرددونها.

ومن السهل أن نرمى هؤلاء الشباب بتهمة سوء الذوق والتقدير، ولكن نفس هؤلاء الشباب هم من يؤازرون على الفيس بوك مطربا آخر اسمه مأمون المليجى، وهو ملحن ومطرب وكاتب لكلمات أغنيات جميلة على خلاف أبوالليف، إذا، فعيون الشباب وآذانهم مفتوحة لمختلف النوعيات لأغنيات بانجو، وأخرى من نوع آخر.

ولكن فى النهاية أذواقهم مرهونة بحالة الحرية التى يتيحها الفيس بوك واليوتيوب الذى يعرفون أنه لا سلطان لأحد عليه، لا لجان ولا قوانين رقابة ولا سلطة دولة أو رأسمال.
إذن، أبوالليف هو عنوان الديمقراطية بالنسبة لمن انتخبوه، ومن الفن يأتى كثير من الإرهاصات فى الحياة.. والله أعلم.