محمد منير يكتب: وقائع مسروق بن مسروق
الخميس، 14 أكتوبر 2010 04:32 م
اسمى وصفتى وحالى مسروق بن مسروق.. أنتمى إلى أعرق عائلات مصر وأكثرها ثباتاً على الحال.. فأبى وجدى وجدود جدى كلهم مسروقون..أروى لكم وقائع يومياتى التى أعيشها حاملا خبرة مئات السنين من صبر «مسروق» على ما يراه «مكتوب».
منتصف صباح أول أمس وأثناء استغراقى فى حوار صامت ممتع مع طبق فول بالزيت الحار، فإذا بصريخ من النوع المزعج يقتحم خلوتى المقدسة.
ولما أدركت أنه عويل ابنى سألته عن السبب فقال بكلمات متقطعة من الشهيق «الواد بوعلة ابن الأرناؤطى.. شتمنى شتمة معفنة» وبعد إلحاحى استجاب الواد وباح لى بمكنون الشتيمة فى أذنى: «قال لى يا ابن الاشتراكى».
استنفرتنى الضحالة الفكرية التى يمر بها ابنى وشعرت بوخز ضميرى تجاهه ومسؤوليتى عن بلاهته، فقررت أن أوضح له قيمة الاشتراكية التى أتفاخر بها ويعتبرها بوعلة ابن الأرناؤطى شتمة..
بدأت درسى مع الضحية ابنى عن الاشتراكية بأهميتها وفايدتها للمسروقين والغلابة أمثالنا ورويت له أيام الستينيات الحلوة ونهيت درسى بكلمات من أغنية حليم «على رأس بستان الاشتراكية واقفين بنهندس على المية عولما وعمال ومعانا جمال بنغنى غنوة فرايحية» فإذا باللعين يتجاوز غباءه ويتحول إلى خبث فطرى موروث وراثة عن أمه، وصرخ فى وجهى «طيب ما هو جمال عبدالناصر لسه موجود»، قلت له: والله فال خير وعشان كده أنا حارجع فى قرارى بتوقفك فى الدراسة عند االابتدائية وسأقدم لك فى الإعدادى وأهو نستفيد بمجانية التعليم اللى لسة مااتلغتش رسمى. توجهت بالواد إلى المدرسة المجاورة لبيتنا.. فقابلنى الوكيل الذى أخبرنى بأن التوزيع الجغرافى بتاع الواد يوديه مدرسة على بعد ساعتين من هنا.. حاولت أن أشرح له إننا مش حمل تمن المواصلات للمدرسة البعيدة وأنه لولا مجانية التعليم مكنتش كملت تعليم المعفن ده.. ولكنه رفض الاستجابة إلا عندما وصل كلامى لمقطع طيب شوف أى حل وأنا تحت أمرك، وكأنى نطقت بكلمة «افتح يا سمسم».. التفت لى الوكيل وقال لى ماشى ممكن نقبله.. مصاريف المدرسة 69 وسبعين قرشا وألف جنيه تبرع بدون وصل، فصرخت فى وشه: التعليم كالهواء والماء ليس له ثمن.. كمان التعليم فى مصر مجانى.. فرد فى برود: ما هو لسه مجانى هى 69جنيها وسبعين قرشا دى فلوس.. فقلت له: لأ.. الألف جنيه.. قال لى بنفس البرود ده تبرع إنت دافعه بمزاجك وإن ما كنتش عاوز تدفعه إنت حر وما حدش يقدر يجبرك إنك تدفع أكتر من الـ69 وسبعين قرشا فى المدرسة البعيدة وإن حد هناك طلب منك أى زيادة أوعى تدفع.
ولما استقبلت رسالة الوكيل بحثت كعادتى عن وسيلة معتمدا على الوحى السماوى الذى يصيب أمثالنا من المسروقين لحظة الزنقة.. فهبط على وحى الفقراء بفكرة عرضتها على الوكيل الذى قبلها على مضض.
وفى أول يوم فى المدرسة كان الواد ابنى يجلس فى الصف الأخير فى الفصل.. وأمه واقفة فى الكانتين والعيال يصرخون فيها ساندوتش يادادة.. وأنا جالس على دكة أمام المدرسة والتلاميذ بتحيينى «صباح الخير يا عم مسروق» وحمدت الله على نجاحى فى التمسك بمجانية التعليم.. أما عن شغلى بواب ومراتى دادة لمدة سنة بالألف جنيه اللى من غير وصل كان تعليقى كالعادة: «قضا أحسن من قضا».. وبدأت رحلة يوم جديد.
