السبت 2025-03-15

القاهره 11:07 م

عبد المنعم رمضان و ياسر شعبان وحامد عبدالصمد وأحمد الشهاوى

المتهمون بالإساءة إلى الذات الإلهية يدلون بشهاداتهم


الخميس، 07 مايو 2009 09:41 م

إذا كان من حق المجتمع، أن يوجه اتهاماته بالكفر إلى بعض الأدباء الذين تناولوا الذات الإلهية فى أعمالهم، فإن الأدباء، على الجانب الآخر، من حقهم توضيح وجهة نظرهم فيما يكتبونه، وتوضيح مواقفهم وعلاقاتهم مع الله.

بعض الأدباء الذين أثيرت حولهم شبهة التجاوز ضد الذات الإلهية، يدلون بشهاداتهم لـ«اليوم السابع»، وهى ليست محاولة منهم للدفاع عن أنفسهم، بقدر ما هى محاولة لإزالة سوء الفهم.

عبدالمنعم رمضان: أطالب المثقفين بأن يذهبوا إلى الشقاء وحدهم ولا يعذبون به الآخرين
كتبت قصيدة بعنوان «أنت الوشم الباقى»، نشرت فى عدد إبداع فى 1989، تحكى كيف خلق الله الرجل والمرأة، فأرسلها أحد الشعراء إلى ثروت أباظة الذى كان وقتها رئيس اتحاد الكتاب، فأصدر بيانا رسميا باسم اتحاد الكتاب يتهمنى فيه بالكفر وسب الذات الإلهية، وكان وقتها هشام قشطة، يصدر مجلة «الكتابة الأخرى» التى تضمنت بيانا مضادا، بالإضافة إلى استجواب فى مجلس الشعب، ومرت هذه القضية دون قضايا أو محاكمات.

قصيدتى الثانية التى أثارت حفيظة البعض هى «التعويذة»، التى نشرت أيضا فى «إبداع»، ذات القدر المشئوم، ورفع محام مجهول من المنصورة قضية ضدى، ظلت فى المحاكم سنتين حتى حادثة الأقصر 1997، وحفظت بعدها، كل هذه الاتهامات والاعتراضات نالت منى، لكنى لم أتوقف أمامها أبدا، لأنى أعتبر هجوم المتشددين على المبدعين جزءا من تمثيلية ترعاها السلطة، فأنا أنزعج من فكرة عالم بلا إله. لكن لا أريد الله البعيد، أريده قريبا صديقا وأقرب إلى من حبل الوريد، أحكى له ما أخجل منه ولا أحكيه لأحد، أحيانا أتصور نفسى قويا وغير محتاج إلى أى شيء، لكن فى لحظات ضعفى الكثيرة أستعين بالله، وأناجيه وهذا التناقض أعيشه ولا أنكره، ومشكلتى الكبرى أننى رأس وقدم..

قدمى مسكونة فى حضن أبى ونشأتى، ورأسى عند أفكارى، وكلنا منشطرون بين أفكارنا وما تربينا عليه، وأنا ألوم على بعض المثقفين الذى يشطحون فى أفكارهم، ويطالبون الناس بأن يخضعوا كل شيء للعقل، بما فى هذا فكرة وجود الله، لأن الإنسان إذا مارس حياته بلا روحانيات تحمى إنسانيته يكون بهذا كالآلة التى لا تعقل ولا تسمع ولا ترى، وأقول لهم عيشوا شقاءكم وحدكم، ولا تعذبوا به الآخرين الذين يقاسون من مرارة الحياة، ولا تضيفوا عليها مرارة أخرى.

ياسر شعبان: القارئ الذى أثيرت من أجله مشكلة الروايات الثلاث يشترى المجلات الجنسية أحيانا
للأسف يتم توجيه تهم عديدة للمبدعين، منها الإساءة إلى الذات الإلهية، وخدش الحياء العام، ومخالفة معايير الآداب العامة، كما لو كانت هذه التهم معدة مسبقا، وجاهزة وهنا يقف الأدب وحيدا وأعزل أمام هذه المسميات، ولهذا شكلت روايتى أزمة كبيرة على الرغم من أنها لم تكن رأت النور. والأزمة فى الأساس تكمن فى أن الناس لا ينظرون إلى الأدب باحترام.

وهناك مشكلة أعمق، هى أننا ككتاب لا نمتلك ترمومترا نقيس به حساسية القارئ العام، فالقارئ العام الذى أثيرت من أجله مشكلة الروايات الثلاث، هو القارئ العام نفسه الذى يشترى المجلات الجنسية أحيانا، وهو الذى يشاهد الجزيرة والقنوات الإخبارية الأجنبية، ويتم حرمانه من معرفة الحقيقة فى قنواته الأرضية، ونفرض عليه وصاية جبرية على ما نقدمه له، وأزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر» ساندتها وزارة الثقافة بجيوشها من المثقفين والصحفيين، واعتبرتها أزمة سياسية، ونفس الوزارة بجيوشها هاجمت الروايات الثلاث ووصفوها بضعف المستوى الفنى، واللجوء إلى الجنس لتحقيق الشهرة، وقضية حلمى سالم الحالية تعبر عن هذه الحالة المتتالية من الفساد المستمر، والكيل للأدب، هل نمكن التيارات الأصولية من استخدام الإبداع ككمين للنيل من المؤسسة ووزارتها، وهل نحاكم الإبداع من أجل خاطر عيون المتأسلمين.

حامد عبدالصمد: انسحاب المثقفين من المعركة الفكرية يترك القضية الإيمانية حكرا على الأصوليين
أولا لابد من الاعتراف بأن الأديب عامة، وأنا خاصة، مضطرب نفسيا، وحالة الاضطراب هذه هى التى تجعل الأدب له معنى ولون؛ لأنه يجسد النفس الإنسانية فى أحلك لحظاتها وأصفاها، ولهذا يكتب الأدباء ما يصفه البعض بأنه إساءة للذات الإلهية، وهنا أحب أن أشير إلى أن الصحافة متورطة بشكل كبير فى هذه الحملات، وإن كان تورطها يأتى بشكل عفوى، ومن خلال تجربتى الشخصية فى هذا الأمر، أرى أن انسحاب المثقفين من المعركة الفكرية، يترك القضية الإيمانية حكرا على الأصوليين، الذين يصورون الإله على أنه فقط متعال وغضوب، وهذا أنتج لنا أنظمة ديكتاتورية لا نسألها عما تفعل.

وهناك بعض الدعاوى التى تقول إن انتشار «موضة» التكفير والإساءة إلى الذات الإلهية، بدافع نيل الشهرة والاستحواذ على السوق الغربى، ومن خلال تجربتى أيضا، أحب ان أوضح أن روايتى مترجمة وجاهزة للنشر فى ألمانيا قبل نشر النسخة العربية، فلست بحاجة لذلك.

وتعمدت التساؤل حول فكرة الإيمان، ليس بدافع هدمها من أساسها، ولكنى نقدت «الإيمان الشمولى» المبنى على التقليد والتواكل والذى أرى أن معظم الناس فى مجتمعاتنا باتت متشبثة به. وهو فى الغالب إما أن يقود الإنسان إلى العزلة أو إلى التعصب.

أحمد الشهاوى: الله سبحانه خلق إنساناً كثير التساؤل
عندما كتبت الوصايا فى عشق النساء هذه التجربة وصفنى شيخ الأزهر وأتباعه فى مجمع البحوث بالكفر مرتين متتاليتين فى 2003 و2006، وبعدها وجدت إخوتى فى القاهرة والقرية، يستفسرون عن علاقتى بالله، فقلت لهم كيف تكون استفادتى من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والقدسية والتصوف كفرا؟

من ينظر إلى التراث الشعبى المصرى، يدرك إلى أى مدى يطلق المصريون دهشتهم بتعابير دينية صرفة، عندما يطالعون امرأة جميلة، ومن يقرأ جملة أعمالى التى أصدرتها حتى الآن، يعرف خطأ الذين وسمونى بالكفر، وإلى أى مدى هناك علاقة خاصة لى مع الله، فأنا دوما مشدود إلى الله بشكل روحانى وإشراقى لكن للأسف قرأ البعض أعمالى بمنظور ضيق.

كل قصيدة أكتبها هى محاولة لاكتشاف ذاتى، التى هى تجل لخالقى، ومع كل محاولة للمساءلة أو الكشف أو البحث أو التعمق فأنا أكون أقرب إلى الله، لأن من يطرح نقطته ينتظر بحرا من الفيض يغمره بالوصول إلى سدرة منتهى الأشياء.

الذهاب إلى الله شعريا ليس على طريقة المداحين والناظمين المباشرة، والذين يطلقون على أنفسهم «الشعراء الإسلاميين»، فلكل شاعر طريقته فى الكشف والبحث والمشاهدة والوصول وأظننى لم أصل بعد، لأن فى الوصول انتهاء وموتا لصاحب النص.

الله سبحانه خلق الإنسان كثير السؤال ودائم البحث، ومن ثم الشعراء هم فى الطبقة الأولى من البحث والمغامرة والذهاب إلى الأقاصى بقسوة ولذة المعرفة.