دعاء قمورة تكتب: حائر بين الحريات والفكر الحر
الإثنين، 21 ديسمبر 2009 06:48 م
كثير منا يتساءل ما هو مفهوم الحرية، وخصوصا فى مجتمعاتنا الشرقية التى كثرت بها التناقضات الفكرية فى ظل التطور الحضارى والاجتياح الذى يسمى بالعولمة؟!
فالحرية لها قيم ومبادئ تكاد تبكى وتتألم أكثر منى ومنك لما تعانيه من بعد أو جفوة أو عدوان.. فالحرية لها واقع مأساوى ووضع أليم ضائع بين طيات الذات وعقول البشر.
وليس معنى أن أكون حراً أن أعيش حياتى بلا حدود أو قيود وسط مجتمع له حقوق يمارسها على الأفراد الموجودين به، وليس معنى أن أكون حرا أن أعيش عبدا لظروف تجعلنى بلا إرادة أو عزيمة وتطمس بداخلى معالم القيم والمبادئ وتجعلنى أقسو على قلوب الآخرين، وليس معنى أن أعيش حرا أن لا أجعل شيئا مما يخالف الفطرة السليمة إلا وزرعته فى طريق حياتى وأن أتغاضى عن الحق رغبة فى المصلحة أو تحقيقا لشهوة أو غريزة. فلكى أعيش حراً يجب أن أملك زمام عقلى فلا أسمح لما دون العقل بأن يوجه فكرى أو يتلاعب بمبادئى، أن أحرر قلبى ليشعر بصدق الإحساس ويستطيع أن يعطى ولا يأخذ فقط، أن أكون حراً أن أنصب الضمير حاكما وحكما لا أن أجعله أداة استشعار لأخطائى أتناسى وخزاته بشىء من السعادة الكاذبة أو المشاعر السطحية الذاهبة.. فلا يبقى للإنسان من كل الحياة إلا قلبه وضميره وعقله وحريته.
فالإنسان خلق بطبعه حرا معتمدا على تكوينه الفطرى (فالأصل فى الإنسان الحرية) فهى ضرورة نابعة من الذات ومن أعماق النفس وكما قال على بن أبى طالب (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا) إن الحرية بالنسبة للإنسان صفة فطرية من ذاته وهبة من الله وليست إضافة خارجية فهى عنصر جوهرى فى كيان الإنسان.
وعرفها فولتير: (عندما أقدر على ما أريد فهذه حريتى) فنجد أن لها مفهوماً سياسياً واقتصادياً وفلسفياً وأخلاقياً عاماً ومجرداً ذا مدلولات متعددة ومتشعبة ومرجعها جميعا ينتهى إلى جامع واحد وحقيقة مشتركة واحدة، هى القدرة على ترجمة الرغبات والإرادات على أرض الواقع الحياتى للإنسان.
والحريات هى مجموعة من الحقوق المكتسبة، ولكن وفقا لمعايير تحكمها موازين العدل التى تحقق المساواة بين أنماط المجتمع البشرى، فهناك أفراد يعيشون فى مجتمعات مختلفة تحكمهم تركيبات عرقية ومذهبية مختلفة وتحكمهم حدود طبقية داخل المجتمع وإذا تحدثنا عن مجتمعنا الشرقى الذى أسست حضاراته على أسس الإسلام نجد أن أول ما أكد عليه الدين الإسلامى هما حقان للإنسان.. المساواة والحرية، ولكن يجب أن نفهم الحرية بمعناها الصحيح ونقدرها حق تقدير.
فقد أقر الإسلام بالحريات المشروعة وعرف فكرة الحقوق الفردية قبل أن يعرفها فلاسفة العقد الاجتماعى أمثال هوبز، ولوك، وروسو، كحق الملكية وحرية العقيدة والرأى وحرية المسكن والحرية الشخصية وغيرها.
ومنحنا الله تعالى عقلاً نفكر به ونهتدى بنوره، فتلك وظيفة العقل، وحينما يهدر الإنسان هذه المنحة، فإنه يعيش أحمق رغم رشده، كفيفا رغم بصره، فالله خلقنا على دين الإسلام الذى يؤكد منطق الفطرة والعقل، ويؤمن بمفهوم الحرية على أوسع نطاق حيث تبدأ حرية التفكير من علاقة المسلم نفسه بدينه وربه الذى يعلم أنه يراه فى الخفاء والعلن (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك).
ولذا نجد أن قضية الحريات للإنسان تشكل أولويات اهتمامات الإسلام، فيجب أن نبدأ بتحرير أنفسنا من الداخل حتى نستطيع أن نسير على الدرب السليم، وليس أن يقال لنا هذا هو الطريق قد أخليناه لك فسر بسلام، وإنما يصبح الإنسان حراً حقيقة، حينما يستطيع أن يتحكم فى طريقه ويحتفظ لإنسانيته بتحديد الطريق ورسم معالمه واتجاهاته، وهذا يتوقف على تحرير الإنسان قبل كل شىء من عبودية وأسر الشهوات التى تملأ نفسه ليصبح عبدا لها.. قال تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عند حسن المآب) هذه هى معركة التحرير الداخلية للإنسان، والأساس الأول فى نظر الإسلام، وبدونها تصبح كل حرية زيفاً وخداعاً وبالتالى أسراً وقيداًً، فحرية العقل أن يفكر، وحرية العين أن تبصر، وحرية القلب أن يحب.
وقد عبر الشاعر إيليا أبو ماضى عن ذلك فى قصيدته (من أنا):
حر ومذهب كل حر مذهبى
ما كنت بالغاوى ولا المتعصب
إنى لأغضب للكريم ينوشه
من دونه وألوم من لم يغضب
وأحب كل مهذب ولو أنه خصمى
وأرحم كل غير مهذب
يأبى فؤادى أن يميل إلى الأذى
حب الأذية من طباع العقرب
لى أن أرد مساءة بمساءة
لو أننى أرضى ببرق خلب
حسب المسىء شعوره ومقاله
فى سره: يا ليتنى لم أذنب
يا ليت كل من يملك الحرية لا يذنب، فيشعر بحلاوتها ويرقى قلبه ويشعر بإنسانيته...!!!