أكرم القصاص - علا الشافعي

وثيقة تاريخية ننفرد بنشرها للمرة الأولى.. زايد يرسل 17 مليون دولار سرا لمصر سنة 1970 ويتحدى الإنجليز وإسرائيل قبل تأسيس الإمارات.. وعبد الناصر للقذافى من قصر القبة: الشيخ زايد راجل كويس وبعت لنا من غير ما نطلب

الثلاثاء، 16 يونيو 2020 05:47 م
وثيقة تاريخية ننفرد بنشرها للمرة الأولى.. زايد يرسل 17 مليون دولار سرا لمصر سنة 1970 ويتحدى الإنجليز وإسرائيل قبل تأسيس الإمارات.. وعبد الناصر للقذافى من قصر القبة: الشيخ زايد راجل كويس وبعت لنا من غير ما نطلب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والشيخ زايد
حازم حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يقف محمد بن زايد، ومن ورائه قادة الإمارات وآل نهيان، صفا واحدا متماسك البنيان فى محبة مصر. يُزعج الأمر بعضا من أعداء المنطقة فى أنقرة والدوحة، وفلول الإخوان وحلفائها من التيارات المتطرفة، وبينما ينشط المُنزعجون فى محاولات دائمة لا تهدأ لضرب روابط البلدين وما بينهما من أواصر قُربى، يغيب عنهم أن التجليات الراهنة وإن كانت تُجسّد محبة الجيل الراهن من قادة الإمارات لمصر، إلا أنها ليست موقفا عارضا، وإنما تتأسس على ركائز تاريخية وطيدة، يُمكن استكشاف عُمقها ورسوخ دعائمها بمجرد العودة فى الزمن، وقراءة سيرة "أبو الإمارات" وصانع وحدتها، الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

accdf7f7-24a4-4d1f-866a-02070b7c6959

رحل زايد قبل ستّ عشرة سنة، لكنه ترك ميراثا مفسرا لموقف الإمارات الراهن والمستقبلى تجاه مصر. وهو الميراث الذى تكشفه وثيقة تاريخية ننفرد بنشر محتواها، تُوثق جذور الوشائج التاريخية الجامعة للبلدين، وبواعث المحبة المتبادلة، وما يُمكن اعتباره انحيازا مبكرا من القيادة الإماراتية لمركز القوة العربى فى القاهرة، رغم مخاطر هذا الانحياز وكُلفته المحتملة فى ضوء تعقيدات المنطقة وقتها، وضغوط المراكز الاستعمارية التى لم تكن قد تخلصت منها بعد!

تكشف الوثيقة التى حصلنا على نسخة منها من خلال الدكتورة هدى عبد الناصر، ابنة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عن تفاصيل لقاء رسمى جمع والدها بالرئيس الليبى معمر القذافى فى قصر القبة بالقاهرة، قبل نصف القرن من الآن، وتحديدا بتاريخ 10 يونيو 1970. ويُوثّق المحضر جانبا من دوائر الحركة والتحالفات العربية وقتها، وطبيعة المشهد فى اليمن الجنوبى، ودعم إمارة "أبو ظبى" للقاهرة وجهودها للتخلص من الاحتلال الإسرائيلى، رغم ضغوط الإنجليز وما يملكونه من قواعد عسكرية فى المنطقة، ودعم لندن لإسرائيل التى تأسست أصلا بمساندة بريطانية.

 

2d4caf40-9bb5-4ad8-9713-caae70da6e9f

وثيقة رئاسية نادرة

تحمل الوثيقة المؤرخة عنوانا عريضا "محضر مباحثات الرئيس جمال عبد الناصر مع العقيد معمر القذافى"، وتتناول عددا من الموضوعات، أبرزها تطورات المشهد فى اليمن الجنوبى، ونتائج زيارة أحد الوزراء الليبيين لـ"عدن"، فضلا عن حديث عبد الناصر عن مواقف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبو ظبى، ومبادرته بإرسال أحد أبرز رجاله للقاء المسؤولين المصريين، وإبداء رغبته الجادة فى مساندة مصر وجهودها لإعادة بناء الجيش ومواجهة الاحتلال الإسرائيلى.

يمتدح الرئيس عبد الناصر موقف حاكم أبو ظبى الذى كان يخوض وقتها جولات مطولة من المفاوضات مع حكام الإمارات، ومناورة الضغوط والألاعيب البريطانية فى المنطقة، بغرض الوصول إلى محطة توحيد إمارات المنطقة وإعلانها دولة واحدة. ويقول عبد الناصر بحسب نص الوثيقة: "والله الشيخ زايد ده راجل كويس، بعت لنا من غير ما نطلب 17 مليون دولار وطلب ألا ننشر".

بحسب الوثيقة، سبقت تلك الخطوة إرسال رئيس ديوانه الذى التقى وزير الخارجية المصرى وقتها محمود رياض، الذى كان مستشارا للرئيس إبان الوحدة مع سوريا ثم تولى أمانة الجامعة العربية بين 1972 و1979. وعرض الموفد الإماراتى رفيع المستوى مساندة مصر وجهودها الوطنية والعربية، وذلك قبل أن تكون هناك روابط سياسية فعلية بين القاهرة وأبو ظبى، وقبل أن يزور "زايد" مصر بصفة سياسية.

بلغت المساهمة الأولى من إمارة أبو ظبى فى دعم مصر وخطط إعادة بناء قدراتها العسكرية 17 مليون دولار، توازى نحو 10 ملايين برميل نفط وفق متوسط أسعار العام 1970 الذى كان يدور فى حدود 1.7 دولار للبرميل، وحال تقويم تلك القيمة بمتوسط أسعار النفط قبل أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" يُمكن أن توازى تلك القيمة نحو 600 مليون دولار تقريبا (أكثر من 9 مليارات جنيه وفق متوسط سعر الصرف حاليا)، وتواصلت المساهمات حتى بعد رحيل عبد الناصر فى سبتمبر 1970، وصولا إلى انخراط الإمارات فى الحملات العربية لدعم مصر خلال حرب السادس من أكتوبر 1973، وتوظيف سلاح البترول فى ردع المحاولات الغربية للضغط على القاهرة أو التمادى فى نصرة الدول الكبرى لإسرائيل.

8b0bc25e-78a3-4119-853a-9f7ae83a7815

زايد يتحدى بريطانيا
 

لا تتضمن الوثيقة الرئاسية مزيدا من التفاصيل الدقيقة بشأن مستويات الاتصال والتنسيق فى تلك الفترة بين القاهرة وأبو ظبى، لكنها تنطوى على إشارات بالغة الوضوح بشأن المجازفة القوية من الشيخ زايد بمساندة مصر ودعمها ماديا وسياسيا، فى الوقت الذى لم يتخلص فيه الخليج من آثار الحصار والضغوط البريطانية.

يتحدث القذافى فى محضر اللقاء عن انتشار القواعد العسكرية الإنجليزية فى منطقة الخليج، وهو الأمر الذى كان ميراثا أنتجته حقبة الدولة العثمانية وما تلاها من تفاهمات بين إسطنبول والغرب، تنازل بموجبها الأتراك عن مناطق شاسعة من الخريطة العربية، أو أُجبروا على التنازل، أو قدموها عطايا للقوى الكبرى التى ساندت الأناضول ضد محمد على، ثم تمادت فى هيمنتها على الذئب العثمانى العجوز حتى باتت تُدير الإمبراطورية المتهالكة وتتحكم فى أطرافها، إلى حد تسليم فلسطين للعصابات الصهيونية تحت سمع وبصر السلطان عبد الحميد. فى مقابل حديث القذافى الذى بدا راديكاليا، يرد عبد الناصر بهدوء: "فى كل الخليج فيه قواعد، لكن كله هيمشى 71"، فى إشارة ضمنية إلى جهود توحيد الإمارات والتفاهمات السياسية لتخليص المنطقة من تلك الهيمنة واستقلال دولها، وبالفعل تحقق الأمر فى غضون شهور باستقلال البحرين أغسطس 1971، واستقلال قطر سبتمبر التالى، ثم إعلان تأسيس الإمارات ديسمبر 1971.

وفق هذا التدرج كانت مبادرة الشيخ زايد بالتواصل مع نظام عبد الناصر، ثم منحته السخية للموازنة المصرية، كسرا بالغ الوضوح لدوائر السياسة البريطانية التى كانت حاضرة بقوة على أرض الخليج العربى، وبدرجة أكثر وضوحا فقد شكّل تحرك حاكم أبو ظبى تجاه القاهرة فى النصف الأول من عام 1970 انحيازا مباشرا لمصر، وتحديا خشنا لمواقف لندن تجاه القاهرة، التى لم تتخل عن عدائها المُعلن منذ قيام ثورة يوليو 1952، ثم الجلاء الاضطرارى عن الأراضى المصرية، ثم العدوان الثلاثى ومساندة إسرائيل الدائمة ضد مصر.

 

عهد المؤسس ووصيته

فى مسار آخر، يُشير القذافى إلى زيارة "بويصير" لليمن الجنوبى، وهى القضية التى شكّلت مفصلا مهما من مفاصل السياسة الخارجية المصرية خلال ستينيات القرن الماضى. ورغم الشائع عن تكبد مصر خسائر فى الساحة اليمنية، فإن الواقع يُشير إلى تحقيق كل غاياتها بحصار الهيمنة البريطانية وخروج الإمام البدر إلى لندن، ونجاح القاهرة فى كسر تحالفات عدن بين بعض القوى الاستعمارية والأطراف الإقليمية.

كان "بويصير" أو صالح مسعود بويصير حاضرا فى لقاء قصر القبة، وهو وزير الخارجية الليبى بين سبتمبر 1969 وأغسطس 1971، ثم تولى وزارة الإعلام قبل أن يستقيل منها ويترشح للمجلس الاتحادى، وصولا إلى مقتله فى حادث طائرة الخطوط الجوية الليبية التى أسقطتها إسرائيل فوق سيناء خلال فبراير 1973. كانت جهود بويصير تصب فى مسار القومية العربية الذى تبنته مصر الناصرية، وبالمثل كانت جهود الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان منذ توليه حُكم أبو ظبى خلال 1966، مرورا بتأسيس الإمارات 1971، وصولا إلى وفاته بالعام 2004 وقد ترك ميراث القيم العروبية والروابط الوثيقة مع مصر عهدا ووصية فى أبنائه.

mixmedia-01061136Ig4R1

غادر زايد ولم تُغادر مواقفه. والآن يبدو المشهد العربى الراهن بالغ الوضوح، بمراكزه وتحالفاته وأعدائه أيضًا. القاهرة تتجاور مع الرياض و"أبو ظبى" فى حلف مضاد للأطماع الإقليمية التى تتبناها قوى كُبرى، وتنخرط فيها تُركيا وإيران، وتُوظِّف دُويلات عربية مثل قطر نفسها خادمًا فى بلاطها. بالتأكيد تأسَّس الموقف الراهن على تحديات طارئة، لكن الحقيقة التى لا يُمكن تجاوزها أن روابط هذا المثلث الإقليمى أبعد كثيرًا من الظروف المُستحدثة والأزمات الناشئة، بل إنها سبقت الجغرافيا نفسها، وأوضح الآيات على ذلك تُترجمه مواقف مؤسس الإمارات الراحل، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومحبته التى سبقت توحّد الإمارات السبع وإعلان الدولة الشقيقة.

فى القراءة المُجردة لتفاعلات الجغرافيا السياسية أواخر ستينيات القرن الماضى، يحضر الشيخ زايد بوصفه بطلا لتحرك عربى جاد بغرض تخليص الخليج العربى من الهيمنة البريطانية المتبقية من رواسب عقود الاحتلال، فضلا عن ترجمة القيم القومية وخطاب العروبة الذى تبنته مصر بزعامة جمال عبد الناصر، فى صيغة عملية لتوحيد المكونات الجغرافية للمنطقة فى وحدة سياسية متماسكة. أما على صعيد التجليات الفعلية لتلك الانحيازات القومية فقد تجلت بوضوح فى مواقف الشيخ زايد تجاه المراكز العربية الراسخة فى القاهرة ودمشق وبغداد والرياض، وفى دعم النضال ضد رواسب الهيمنة الاستعمارية على المنطقة، وتحدّى تلك القوى وما تفرضه من ضغوط على الجغرافيا العربية.

أنجز الشيخ زايد أحلامه الوطنية كاملة، وقبضت يده على جانب كبير من أحلامه العروبية، لكن أكبر ما أنجزه أنه أرسى أرضية مُمهّدة ومُتّسعة من العلاقات الوطيدة مع مصر، وزرع محبة القاهرة فى قلوب أبنائه، بل وزرع محبة الإمارات فى قلوب المصريين بعشرات المواقف والرسائل والبصمات، عبر مشروعات تنموية وسكنية، ومساندات مادية ومعنوية، واحتفاء عميق بالمصريين على أرض الإمارات. أعلن زايد محبته لمصر قبل إعلان الدولة، وغادر ولم تُغادر المحبة، والواقع ووثائق التاريخ وما يُبشر به مستقبل البلدين خير آية ودليل!

 

ff63814b-dc91-414a-ade8-b358ed42a34e
 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

Mohamed

مصر الشحاته رغم كل الخير اللى فيها .

طول عمرها مصر بتشحت و البركة فى جمال واللى  زيه خلوها على الجنط منهم لله ...راح يحارب فى اليمن و تسبب فى هزيمتنا فى 67 ....المفروض يتسمى ابو الهزايم ...منه لله .

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة