سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 11 مايو 1954.. محمد عبدالوهاب يكشف أسرار رحلته مع أمير الشعراء أحمد شوقى من مشاعر الكراهية إلى التأثر به: «عقلا موجها وقلبا واسعا »

السبت، 11 مايو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 11 مايو 1954.. محمد عبدالوهاب يكشف أسرار رحلته مع أمير الشعراء أحمد شوقى من مشاعر الكراهية إلى التأثر به: «عقلا موجها وقلبا واسعا »  محمد عبدالوهاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أقام نادى الموسيقى حفلة غنائية بفندق سان استيفانو بالإسكندرية عام 1925، وسافر محمد عبدالوهاب للاشتراك فيها، وغنى قصيدة  «جددى يا نفسى حظك»، وبعد انتهاء الحفل، فوجئ بطلب أمير الشعراء أحمد شوقى أن يراه فرفض فى بادئ الأمر، رغم إلحاح زملائه عليه، كان يعتقد أن «شوقى » متعجرف ومؤذ، لإبلاغه «رسل باشا» حكمدار العاصمة شكوى شفهية، تطالب بمنع الصبى محمد عبدالوهاب من الغناء على المسرح لحمايته، فانزوى عن الوسط الفنى من عام 1921 حتى 1924، وكره «شوقى» بسبب ذلك.

ذهب عبدالوهاب للقاء شوقى بضغط من زملائه، ليكون اللقاء أهم نقطة تحول فى حياته، حسب اعترافه فى الحلقة السادسة من مذكراته بمجلة الكواكب، عدد 145، فى 11 مايو، مثل هذا اليوم، 1945، ويكشف فيها وقائع اللقاء، الذى جعل «شوقى » أستاذا له.

يذكر «عبدالوهاب» أنه حين صافح «شوقى» تبددت ظنونه، وأزالت ابتسامته كل كره فى نفسه دفعة واحدة، يقول: «كنت آراه لأول مرة، ولم أر فيه عدوا ولا مستبدا، إنما رأيت إنسانا قصير القامة وديعا وداعة الحمل، يبتسم فى رقة النسيم، ولا تكاد عيناه العميقتان تستقران من فرط الخجل فى اتجاه واحد، ذا شخصية رسمتها البساطة فى صورة محببة لقلب من يراه، وبالإجمال كان فيه ما يدل على عمق الإحساس ودقته، لم يكن قلبه فى جسده مثل بقية الناس، بل كان جسده فى قلبه».

يكشف «عبدالوهاب»: «بادرنى شوقى قائلا: أنا عارف إنك متضايق منى، لكن تأكد إنى ما عملتش كده إلا من أجل مصلحتك، «يقصد تبليغ رسل باشا»، رد «عبدالوهاب»: على العموم اللى كنت عايزه حصل، لأنى امتنعت عن الغناء أربع خمس سنين»، يؤكد: «أحسست على الفور أننا أصبحنا أصدقاء، رغم الفارق بيننا فى السن والبيئة والمركز، وقبل أن نفترق طلب منى أن اتصل به فى القاهرة عند عودتى إليها، وكنا فى ذلك الوقت فى يونيو أو يوليو».

عاد «شوقى» إلى القاهرة، ولطول مدة إقامته بالإسكندرية، تردد «عبدالوهاب» فى الاتصال به خشية أن يكون قد نسى الموعد، واستشار حسن باشا أنور، وكيل نادى الموسيقى، فرد عليه: «روح قابله فورا»، وتوجه «عبدالوهاب » إلى مكتب شوقى، ويتذكر، أن شوقى صحبه للعشاء فى مطعم الكورسال، الذى اعتاد أن يتناول عشاءه فيه، ويؤكد: «فى تلك الليلة تناولت أفخر عشاء فى حياتى مادة ومعنى، ففضلا عن جودة الطعام ولذته، كانت أحاديث ذلك العبقرى، وعرفت شوقى بك على حقيقته، نبع من الأدب والعلم والذوق والمحبة وحسن الخلق والإحساس العميق بالحياة».

يؤكد «عبدالوهاب»: «بدأت صداقتى لشوقى بك تأخذ مكانها فى سجل حياتى، فقد أحسست بحاجتى إلى هذا العقل الموجه، أكثر من حاجتى إلى قلبه الواسع، ولم يكن يمر وقت دون أن يلقننى شيئا، أو دون أن اختلس من غزارة عمله شيئا، كان صاحب الفضل الأول فيما نلته من نجاح»، وعن الدروس التى تعلمها من «شوقى» يقول: «كان من أول مبادئ أمير الشعراء الاعتداد بالشخصية وما ينبع منها من أفكار، وكانت فلسفته تدور حول تقديس الخلق، كان يعشق الله لأنه الخالق الأكبر، كان يهيم بإعجازه الذى يتمثل فى إعجاز الطبيعة، أو فى حسن المخلوقات، ثم كان يعشق فنه كما يعشق المحب فتاة أحلامه، ويعتز به اعتزازه بحياته لأنه كان يرى نوعا من الخلق الذى يختص به الله الملهمين من عباده، وبهذه النظرة إلى الخلق الفنى كان يبث فى نفسى تقديس الأفكار».

يحكى «عبدالوهاب» حدثا أثر فيه كثيرا، حين كتب له «شوقى » أغنية «فى الليل لما خلى»، ولأن «عبدالوهاب» كان يعرف أن «شوقى» يحب الغناء القديم الذى اشتهر به عبده الحامولى وعبدالحى حلمى، فقال له: «أنا هاعمل للأغنية لحن يعجبك ويتفق مع اللون القديم اللى تحب تسمعه»، فتجهم «شوقى» قليلا وقال: «اسمع يا ابنى، الفنان الأصيل ما يخلقش حاجة على ذوق غيره، إنما يستلهم ذوقه وإحساسه وحده، وأنصحك بالابتعاد عن هذه الطريقة لأنى اعتبرها نفاقا وتملقا لرغبات الناس، خلى فنك ينبع من ذات نفسك، لأن ده يخليك تعتز بما تخلقه من الألحان».

يعلق «عبدالوهاب»: «كان هذا الدرس أثمن لدى من كل ما تعلمته ومن كل ما قد أتعمله، لأنه علمنى أن أقتنص الشعور بلذة الحياة من كل ما أخلقه من ألحان »، يضيف: «كان الدرس الثانى الذى تعلمته عن «شوقى» هو العناية بالجوهر دون المظهر، والمعنى دون المادة»، ويكشف أن «شوقى» لم يكتف بتلقينه علوم فن الحياة، وإنما رغم وقته الثمين كان يعلمه اللغة الفرنسية فى صبر عجيب، فكان يلقنه كل يوم كلمة أو كلمتين لكى يكون استيعابه أسرع وأكمل.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة