حادث "الروضة"الإرهابى جزء من حرب اقتصادية عالمية على مصر لا علاقة لها بالدين.. اقتصادات الحرب ومصادر الطاقة المحرك الرئيسى.. وجماعات القتل أدوات تحركها أجهزة مخابرات دولية

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017 11:00 ص
 حادث "الروضة"الإرهابى جزء من حرب اقتصادية عالمية على مصر لا علاقة لها بالدين.. اقتصادات الحرب ومصادر الطاقة المحرك الرئيسى.. وجماعات القتل أدوات تحركها أجهزة مخابرات دولية مجزرة مسجد الروضه
محمود عسكر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحول كبير شهدته الحرب على الإرهاب فى الفترة الأخيرة، خاصة فى مصر، بعدما غيرت التنظيمات الإرهابية استراتيجية عملها، فبعدما كانت تستهدف فى أغلب عملياتها قوات الأمن، سواء من الجيش أو من الشرطة المدنية، أو حتى الأفراد من الحكومة أو المؤيدين لها، فوجئنا جميعًا بقيامهم بعملية بشعة استهدفت المصلين فى مسجد «الروضة» بشمال سيناء، ما أدى لاستشهاد وإصابة 432 فردًا مدنيًا، بينهم 27 طفلًا و60 شيخًا فوق الستين عامًا.
 
هذا التحول فسره الكثيرون بأنه نتيجة الضربات المتلاحقة التى تعرضت لها التنظيمات الإرهابية فى مصر، سواء ما يعرف  ب«داعش» أو «الإخوان» وأنصارهم من الجماعات المنسوبة للإسلام، من قبل الشرطة والقوات المسلحة، وهو ما دفعهم- فى نظر من يرون هذا التفسير- إلى الانتقام الأعمى بالاعتداء على المصلين الآمنين من الشيوخ والأطفال العزل فى مسجد الروضة، للرد على خسائرهم فى الواحات وسيناء، بالإضافة للضربات الاستباقية الأخرى التى قامت بها قوات الأمن فى الفترة الأخيرة.
 
 
ورغم منطقية هذا التفسير، وأنه على الأقل جزء من الحقيقة، فإن هناك تفسيرًا آخر أراه أكثر منطقية من سابقه، خصوصًا أنه مدعوم بقرائن ملموسة واستراتيجيات دولية معلنة ومعروفة لدى أى قارئ سياسى أو متابع للسياسات الدولية خلال العقود الماضية.
 
هذا التفسير يعتبر أن كل ما يحدث ليس فى مصر فقط، بل فى المنطقة العربية كلها، لا يعدو إلا أن يكون حربًا اقتصادية بحتة، فجرتها وتديرها وتستفيد منها قوى إقليمية ودولية معروفة، تعيش وتقتات على وجود صراع هنا أو هناك، لكنهم يفضلون أن تكون هذه الصراعات فى المنطقة العربية الغنية بالنفط، حتى يخلقوا لمصانع أسلحتهم سوقًا للبيع، فهم قبل أن يصنعوا السلاح فإنهم يصنعون أيضًا السوق التى ستشترى.
 
وما يدعم هذه الفرضية ما جاء على لسان الرئيس الأمريكى الأسبق، دوايت أيزنهاور، فى يناير من عام 1961، خلال خطابه الأخير الذى ألقاه بحفل تنصيب خلفه جون كيندى من تحذير الشعب الأمريكى مما اعتبره واحدًا من أخطر التهديدات التى تواجه الولايات المتحدة، وهو المجمع العسكرى الصناعى المؤلف من شركات الأسلحة، ومجموعات الضغط التى تسعى لإدامة الحرب، وبعد مرور ما يزيد على 55 عامًا على ذلك الخطاب، لا تزال أمريكا فى حرب دائمة، فالقوات الأمريكية تنتقل من أفغانستان إلى العراق ثم ليبيا، ومؤخرًا إلى سوريا.
 
ولمن لا يعرف فإن الولايات المتحدة تمتلك 3 من بين أكبر 4 شركات تصنيع للسلاح فى العالم، هى «لوكهيد مارتن»، و«بوينج»، و«رايثيون»، ويعمل بهذه الشركات الثلاث نحو 350 ألف موظف، وبلغت إيراداتها الإجمالية فى عام 2016 حوالى 165 مليار دولار.
 
وبعد انتهاء عصر الحروب العالمية الكبيرة، اخترع القائمون على تأجيج الحروب شبحًا غامضًا اسمه الإرهاب، يتيح لهذه الدول شن الحروب فى أى وقت وأى مكان فى العالم، تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وأصبح الإرهاب هو المبرر الأقوى للتدخل العسكرى فى أى مكان، ودون استئذان المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة.
 
وأصبح الدخول فى حرب بمثابة الهدية لشركات السلاح التى يتم منحها عقودًا سخية لإنتاج كل شىء تقريبًا، بداية من وجبات الجنود، وانتهاء بالصواريخ والذخيرة.
 
ويمكن أن يستوعب الكثيرون الآن أن الحروب التى تنشب بدعوى الحريات والديمقراطية، وتحصد أرواح الملايين، وتعصف بأمنهم، هى فى الوقت نفسه بمثابة العمود الفقرى لاقتصادات دول أخرى تعتمد على الحرب لدعم اقتصادها، ورفاهية مواطنيها، على حساب دم مواطنين دول أخرى فى ساحات القتال.
 
وإذا كانت مصر بردع قوتها العسكرية استطاعت أن تتجنب الحروب المباشرة، فكان لزامًا على القوى الأجنبية أن تخترع لها حربًا أخرى تشغلها وتستنفد قوتها، وتبقيها دائمًا فى حاجة لها، خصوصًا بعدما حققت نجاحًا اقتصاديًا غير متوقع فى فترة وجيزة، بالإضافة إلى الاكتشافات البترولية الكبيرة، خاصة ما يتعلق بحقول الغاز فى شمال البلاد.
 
الحرب على مصر تقودها عدة أجهزة مخابرات دولية يمكن معرفتها بسهولة إذا نظرت لخريطة المصالح الاقتصادية فى المنطقة، فقطر مثلًا تناصب مصر العداء، وتحاول بكل الطرق إسقاطها منذ ثورة 30 يونيو، لأنها أجهضت خطتها لتكون مركزًا للطاقة وتصدير الغاز إلى أوروبا عبر خط غاز يمر بالعراق وسوريا وتركيا ثم إلى أوروبا، وهو نفس الهدف الذى جعل إيران تدعم بشار الأسد بقوة، وتتدخل فى العراق بنفس القوة، كما أن الاكتشافات الكبيرة للغاز فى مياه مصر، وتطوير منطقة قناة السويس، وإعدادها لتكون مركزًا لنقل الطاقة فى العالم، تجهض أيضًا خطط قطر الاقتصادية.
 
أما روسيا فهى ترفض مخططات قطر وإيران لإنشاء خط غاز مباشر لأوروبا، لأنها- أوروبا- السوق الرئيسية للغاز الروسى، وأى دخول قوى لغاز إيران أو قطر هو تهديد اقتصادى مباشر لروسيا، ولذلك دخلت روسيا بقوة فى سوريا ليس لدعم بشار، ولا للحفاظ على الديمقراطية، ولا لحماية الشعب السورى، ولكن لحماية مصالحها الاقتصادية البحتة، وصراعها السياسى مع الولايات المتحدة، الذى يعتبر جانب كبير منه أيضًا صراعًا اقتصاديًا.
 
وبالنسبة لتركيا، فكانت تسعى وتُمنى نفسها بأن تكون مركزًا لنقل الطاقة من الشرق إلى الغرب، وهو ما تجهضه النشاطات المصرية الاقتصادية الأخيرة، خصوصًا ما يتعلق بمنطقة قناة السويس، واكتشافات الغاز فى الشمال، خاصة حقل «ظهر» فى البحر المتوسط، بالإضافة إلى الخلاف الأيديولوجى بين تركيا، التى ينتمى الحزب الحاكم بها لجماعة الإخوان، ورغبة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى الهيمنة على المنطقة، وإحياء الخلافة العثمانية من جديد، وبين الشعب المصرى الذى يرفض تغيير هويته، ويرفض التشرذم ضمن جماعة لا تعترف بالوطن، وهو ما أجهضته مصر بشكل نهائى فى ثورة 30 يونيو.
 
 
 
تفاصيل هذه الصراعات الاقتصادية طويلة وكثيرة، ولكن يمكن تلخيصها فى محورين مهمين، أولهما أن هناك جزءًا يتعلق باقتصاد الحرب، والذى تقوده الدول المصنعة للسلاح، ويعتبر الشرق الأوسط السوق الرئيسية لها، خاصة أمريكا وبريطانيا وألمانيا وروسيا، والمحور الثانى هو الصراع على المصالح الاقتصادية على مصادر الطاقة، وتغذيه دول مثل تركيا وقطر وإيران.
 
هاتان المجموعتان هما الممولتان الرئيسيتان للعمليات الإرهابية فى مصر والمنطقة، فهذه الحروب ليست حروبًا لجماعات إسلامية تريد تطبيق الشريعة، كما يتم تصديره، إنما هى جماعات قتالية عسكرية تنفذ أجندة خارجية ضمن حرب مصالح اقتصادية بحتة.
 
والنهاية.. يجب أن يعى الجميع أن مصر تخوض حربًا حقيقية ضد دول وليس جماعات، وأن استقلال القرار المصرى، والنجاح الاقتصادى، والمشروعات الضخمة التى يتم تنفيذها، لن يُسمح بها بسهولة، وأن تنفيذ عملية «الروضة» بعد افتتاح مصانع «بركة غليون» ليس صدفة، وستحاول قوى الشر النيل منها فى مهدها، ولذلك يجب علينا جميعًا أن نكون يدًا واحدة وثابتة فى مواجهتها.
 
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة